تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تشكيل... رانيا المدرس في معرضها العاشر..واقعيــة وغرائبيــة مشــبعة بالقلـــق والتوتـــر

ثقافة
الأربعاء13-11-2019
أديب مخزوم

شكل معرض الفنانة رانيا المدرس، في صالة مرسم فاتح المدرس، خطوة المعرض العاشر،

في سلسلة معارضها الفردية، ولقد تضمن عدة لوحات ورسومات تركزت موضوعاتها حول الوجوه والأجساد والزهور والطيور والقوارب وغيرها، وهي ترسم هذه الموضوعات بإحساس طفولي، وبكثير من الالفة والمحبة والفرح والحزن. وتظهر تأثيرات الواقع المتفجر بشكل مباشر، في نسيج لوحاتها، من خلال الوجوه القلقة، واللمسات اللونية المتداخلة مع الإحساس الانفعالي، الذي يقطف الإيقاع الخارجي المتغلغل في حركة حياتنا الراهنة, المشبعة بالصدمات والتوتر والعنف في أزمة الحروب المتواصلة أو المتعاقبة دون نهاية.‏

بين الواقع والتجريد‏

ولوحاتها المعروضة التي انجزتها في مكان إقامتها خارج سورية، وحملتها معها إلى دمشق، تطرح العديد من القضايا الجمالية والتقنية الحديثة، بقدر ماتكشف عن تموجات المشاعر الفنية، والاحاسيس الداخلية، في خطوات بحثها عن إيقاعات تشكيلية معاصرة، كل ذلك بلغة واقعية وتعبيرية ورمزية، وصولاً الى بعض المقاطع التجريدية، وهذا التداخل الحاصل، بين العناصر الواقعية والخيالية والتجريدية، يبعد اللوحة مسافات، عن منزلقات الوقوع في هاوية الخطاب التقريري والأدبي والسردي، ويترك لأصداء الحوار التشكيلي البصري، مساحة قصوى من الحرية التعبيرية والفنية.‏

وطروحاتها بإطارها الجمالي الحديث والمعاصر، تبرز قدرة العمل التعبيري على تحويل المساحة اللونية، إلى فسحة للحوار والتأمل والوصول إلى علاقة حقيقية مع الحياة الراهنة, بحيث يرضي العمل الفني كل النواحي، القائمة على التصادم الحركي، وعدم الالتفات الى النسب الحقيقية، بين العناصر المتداخلة ضمن اطار اللوحة.‏

الواقعية السحرية‏

ولوحاتها التي تحقق في بعض مقاطعها أقصى حدود الواقعية، والتي وصفتها رانيا المدرس (بالواقعية السحرية), خلال حواري معها, تخرج في أحيان كثيرة عن إطار الواقعية، وتحمل في بعض المقاطع الأخرى ايقاعاتها العفوية اللونية والخطية والاختزال المشحون بعنف التوتر اليومي، وانكسارات الزمن الملتصق بأجواء الدمار والمعاناة، كأنها تريد أن تقول لنا إن الفنان لا يمكن أن يبتعد عن ذاته, لأن العمل التشكيلي هو جزء أساسي من حياته، ولهذا لا يمكن وضع حدود بين التشكيل التعبيري، الذي قدمته والإحساس بأزمة القلق والتوتر والاضطراب.‏

وهي بالرغم من اتجاهها احياناً كما أشرت نحو الواقعية القصوى في رسم الطيور بنمنمة تفصيلية، تتقدم الوجوه والأطراف المكبرة، التي تشغل أحياناً كامل مساحة اللوحة، فإنها في النهاية تقدم لوحات حديثة أو جديدة. وتنحاز في لوحات اخرى لإيجاد القوة الإيحائية لعناصر الجو اللوني التجريدي عبر اللمسات والحركات اللونية التلقائية والعفوية التي تصبح أحياناً داخلة في عناصر الجسد المرسوم باعتماد التبقيع والنثر اللوني.‏

وفي لوحات اخرى تستعرض تلك العلاقة الحميمية بين حضور إشارات الشكل وغيابه، وبين اللون الخافت والوهج وصولاً الى الاستفادة من بياض الورقة الخام، ضمن هاجس إبراز التضاد « الكونتراستي», بينما تظهر لمساتها اللونية المضاءة، وكأنها خطوة للتعبير عن فسحات الأمل في ديمومته الإيقاعية والغنائية. ومع معطيات لمساتها العفوية المتحررة بدأت لوحاتها، تتجه أكثر فأكثر نحو الرموز التي توحي بأثر الحروب والويلات(حتى إنها تجعل الدماء تسيل من يد مرسومة مع القارب الورقي)، ما يؤكد انحيازها الواضح لإبراز القلق والاضطراب والتوتر، حيث تقترب من واقع لوني يشير في بعض الأحيان إلى حضور البؤس في ملامح الوجوه وتعابير العيون.‏

خطوط قلمية‏

وعلى الصعيد التشكيلي والتقني، ركزت رانيا في لوحاتها ورسوماتها لاظهار حركة وليونة وانسيابية الخطوط القلمية السريعة، التي تحدد حركة الأجساد المتداخلة والمتجاورة، وحين يغيب الخط تتحول العناصر في لوحات الوجوه، الى مساحات لونية شفافة ساطعة، تتخللها لمسات من النور، كأنها تريد ان تقول بأننا نتفاءل بالبياض الآتي بعد كل سواد.‏

تتدرج رانيا في معالجتها للعناصر المختلفة في اللوحة الواحدة ما بين الوضوح والغياب، فعندما تكون في حالة انفعالية تأتي الخطوط سريعة ومتوترة، تختزل الصورة الواقعية في فضاء اللوحة، وتبرز الإشارات أو المدلولات التشكيلية المعبرة عن تموجات الحالة الداخلية الانفعالية. أما حين تكون في حالة هدوء، فإن أشكالها تقترب من ملامسة الواقع، وتصبح اللوحة أقرب إلى الصياغة التعبيرية.‏

وفي جزئيات لوحاتها نلمس توجهها الاختزالي, فهي تصوغ أشكالها أحياناً بخطوط وحركات لونية سريعة, كما تركز على الجانب التقني (خليط مواد مختلفة - ميكست ميديا) لتحصل على التشكيل الفني الحديث، اثر تحولها، في اللوحة الواحدة، من تصوير بحت، إلى تشكيل بحت عبر موضوعات الوجوه والزهور التي تغطي العيون وغيرها، وفي تعابير وجوهها وتشكيلها تبدو غير بعيدة كل البعد عن قيود إغراءات الصياغة التسجيلية.‏

هكذا تبدو المدلولات التعبيرية الإنسانية في لوحاتها، في كل حالاتها وتحولاتها وتنقلاتها من أجواء الصياغة القلمية الدقيقة، الى أجواء اللمسة اللونية التعبيرية، الأكثر تحرراً وأشد انفعالية، في خطوات بحثها المتواصل عن نبض الاختزال والتبسيط والتحوير والتجريد.‏

facebook.com adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية