وفي الأوساط التجارية والمالية والفنية بأشكالها وأنواعها المختلفة هم الوسط الطبيعي والملائم لتأييد ودعم السياسيات الإسرائيلية ومواقف الحركة الصهيونية, وضم الكوادر النشطة فيها إلى اللوبي الصهيوني المنتشر في كل مكان. وهذا النفوذ يسيطر على الكونغرس بمجلسيه. ويؤثر بشكلٍ كبيرٍ في الجامعات ومراكز الأبحاث, وفي وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية, وفي البنوك والبورصات والأوساط التجارية والصناعية والمالية, وحتى في هوليوود, ذلك أنَّ الشخصيات العاملة لحساب اللوبي الصهيوني تزداد عدداً وثقلاً وتأثيراً.ورغم أنَّ هذا النفوذ بدأ يدُّق أجراس الخطر في عدة أوساط أميركية, على غرار ما أوضحته الدراسة المركزة التي أعدَّها الباحثان البارزان (ميرشايمر وستيفن والت), والتي أشارا فيها إلى أن قرارات الإدارة الأميركية على مدى السنوات العشر التي غطتها الدراسة استهدفت تحقيق مصالح إسرائيلية على حساب المصالح الأميركية ذاتها; رغم ذلك, ليست هناك مؤشرات توحي بأن الحركة الصهيونية تشعر بأي قلق إزاء ذلك بل تشير الدلائل إلى أن تضاعف نشاط اللوبي اليهودي في الأعوام الأخيرة قد أخذ يركز بشكل محموم على الجامعات الأميركية, وخاصة منها الكبرى والمعروفة بتوجهاتها الليبرالية.
لقد راح هذا اللوبي يلاحق ويحاصر الأساتذة والباحثين عرباً كانوا, أم أميركيين أو غيرهم ممن يُشكّ أن لديهم تحفظات أو اعتراضات على سياسات (إسرائيل) أو على السياسات الأميركية المؤيدة (لإسرائيل). وقد وصل الأمر إلى درجة إقدام كل من (مارتن كرامر) و (دانييل بابيس) المعروفين بتعصبهما (لإسرائيل) على تأسيس موقع على الانترنت, هدفه مراقبة ما يجري في الجامعات, وذلك عن طريق عناصر طلابية جَّندها داخل حرم الجامعات لجمع معلومات تستخدم للتشهير علناً بالعناصر المعادية للصهيونية و(إسرائيل), والملاحظ أن النشاط الصهيوني في الولايات المتحدة أخذ يركز مؤخراً على طلاب المدارس الثانوية, ففي العدد (45) من تقرير واشنطن الصادر في 9/2/2008 تحت عنوان (كيف تدافع عن إسرائيل: دليل للطالب الأميركي) ألقي الضوء على مشروع تموله مؤسسة (شاي) وهي مؤسسة يهودية أميركي, وتتولى تنفيذه والإشراف عليه صحيفة (نيويورك جويش ويك), وهي أكبر المجلات اليهودية الأسبوعية في الولايات المتحدة, يهدف إلى تعليم طلاب المدارس الثانوية والجامعات حقائق الصراع الجاري في الشرق الأوسط.
المشروع يُدعى (اكتب من أجل إسرائيل) حيث يجري مسابقة مفتوحة لانتقاء (30) طالباً من طلبة المدارس الثانوية والجامعات الأميركية ممن لديهم مواهب خاصة في مجال الكتابة الصحفية ويودون استكمال دراستهم العليا والعمل لاحقاً في مجالات الإعلان المتنوعة, فيقوم المشروع بإعداد (7) دورات دراسية, وترتيب زيارة (لإسرائيل) لمدة عشرة أيام تسميها »مهمة تقصي حقائق). ويشرح التقرير كيف يتم اختيار الطلاب الفائزين ونوعّية الاختبارات التي تُجرى لهم, ومحتوى الدراسة, والمهارات في تلك الدورات, وأثناء مهمة تقصي الحقائق, وكلها تصبّ في مجرى واحد وهو إعداد أجيال متعاقبة من الصحفيين وتأهيلهم عقلياً ووجدانياً ومهنيا للدفاع عن »إسرائيل)..!
ويوضح التقرير كيف تتم عملية اختيار الطلاب, حيث يخضعون لسلسلة اختبارات دقيقة جداً, إضافةً إلى توفر شرطين أساسيين في الطالب وهما: الموهبة والرغبة والاستعداد لممارسة الصحافة, إذ تَوجَّه لهم أسئلة مدروسة لمعرفة إذا كان لديهم تجارب ممارسة الكتابة في صحف المدرسة, وينوون مواصلة الدراسة ولديهم الرغبة في امتهان الصحافة والإعلام, هذا إلى جانب اختبارات عملية لمواهبهم وقدراتهم, مثل كتابة مقالين عن موضوعات تتعلق »بإسرائيل), كل مقال في حدود (500) كلمة. أما الشرط الثاني, فهو التعاطف مع »إسرائيل) والاستعداد للدفاع عن سياساتها بقوةٍ وإصرار. وللتأكد من وجود هذا الشرط يُسأل الطالب المتقدم: ماذا تعني »إسرائيل) بالنسبة لك? ولماذا تريد الانضمام إلى برنامج »اكتب من أجل إسرائيل)?, كما يُسأل أسئلة أخرى للوقوف على عمق التزامه تجاه »إسرائيل) مثل: يخطط اتحاد الطلاب في مدرستك لدعوة الرئيس الأميركي السابق »جيمي كارتر) لمناقشة كتابه »فلسطين: سلام لا فصل عنصري), اكتب خطاباً إلى صحيفة المدرسة تعارض فيه أو تؤيد قرار اتحاد الطلبة بدعوة الرئيس?), أو »تُشكل إيران تهديداً لوجود »إسرائيل), هل توافق أم لا على هذه الجملة?) وهكذا تتضح لنا خلفية المسؤولين عن إدارة هذا المشروع, والشخصيات التي تقوم بالتدريس وتقديم المهارات للمتدربين, فهو مشروع صُمِّم لإعداد وتجنيد إعلاميين أميركيين وأدلجتهم صهيونياً ليصبحوا جاهزين لخدمة »إسرائيل) والصهيونية إعلاميا ودعائياً.
إنه واحد من عشرين مشروعاً مماثلاً تموّلها مؤسسة »آفي شاي) التي تعتبر واحدة من آلاف المؤسسات التي تخدم الصهيونية و»إسرائيل) إن الحركة الصهيونية نجحت في أن تجعل العلاقات الأميركية - الإسرائيلية علاقات من نمطٍ ليس له مثيل في العلاقات الدولية, علاقات خاصة جداً, جعلت »إسرائيل) تقفز فوق كل السدود وتجاوز كل محظور وجميع الحواجز والحدود, لتصل إلى درجة تتعامل مع المدارس والجامعات الأميركية وكأنها مستوطنات إسرائيلية تفعل فيها ما تشاء! ختاماً لا بد من القول إنه رغم كل ذلك, بدأ المجتمع الأميركي يتنّبه إلى أن إداراته المتعاقبة كثيراً ما تُضحي بالمصالح الأميركية في سبيل تمرير المصالح الإسرائيلية, وهذا التنّبه يزداد عاماً بعد عام, ولن تبقى الساحة الأميركية إلى الأبد مخترقة من قبل الصهيونية و»إسرائيل) بهذا الشكل الملفت للنظر.