إن أسوأ ما يميز سياسة إدارة بوش هو موقفها من (الشرق الأوسط) بل إن هذا الموقف اختلف بشكل واضح عن مجمل سياسات هذه الإدارة في أنحاء العالم والتي كانت بشكل أو بأخر كسابقاتها ولم تختلف عنها كثيراً وربما أعطت بعض النتائج المقبولة في أنحاء من العالم لكنها كانت سيئة للغاية فيما يخص الشرق الأدنى والأوسط, أما بالنسبة لسياسة بوش تجاه الصين وروسيا يبدو أنه ليس من السهل القول إن كانت هذه الدول تشكل شريكاً حقيقياً أم هل هي دول منافسة أم تحمل تهديداً للعالم الغربي.
سياسة بوش تعاني ضغوطات من بكين وموسكو ولن يكون تقييمنا سهلاً لتعامل بوش معهما... أما موقف الإدارة الأمريكية من قضايا (الشرق الأوسط) فيثير الشجن, إدارة بوش لأسباب ايديولوجية صرفه انحازت لفكر المحافظين الجدد ولتيار الليكود اللذين يردان أن القضية الفلسطينية ليست قضية مركزية وبالإمكان الالتفاف عليها, والأهم بحسب رأيهم هو نشر الديمقراطية في البلاد العربية وإن كان ذلك بالقوة وبذلك لن تقود هذه السياسة إلا إلى طريق مسدود وإلى الفشل والحرب, وهذا ما حصل في العراق رغم أن هذه الإدارة حاولت قبل ذلك استخدام دبلوماسية ما لتلميع موقفها وهنا يقول فيدرين.
أنا أؤيد ما توصل إليه تقرير بيكر-هاملتون في العام الماضي كما كان لافتاً ما أعلنه الرئيس بوش في رام الله في زيارته الأخيرة حول ضرورة قيام الدولة الفلسطينية والتي يجب ألا تكون دولة (غيتو).. لكن ما قاله يتناقض تماماً مع ما تقوم به إدارته منذ سبع سنوات وحتى الآن ورغم ذلك عليه أن يفعل شيئاً ما (أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً) وعلينا ألا نستبعد فرضية أن يكون بوش قد قرر إزالة الوهم عن سياسته وأن يقدم شيئاً مفيداً (للشرق الأوسط) خلال الشهور المتبقية من ولايته.
أما من حيث الموضوع المتعلق بالديمقراطية فقد تكون هاجساً منذ القدم للسياسة الأمريكية منذ عهد ولسون لكن في الواقع الراهن أسيء العمل بها وهنا يتحمل الأوروبيون جزءاً من المسؤولية.. أما ما يشاع عن التطرف في (الشرق الأوسط) فهو قبل كل شيء ناتج عن التعنت الغربي والعنف الاسرائيلي وهذا ما أجج المشاعر الوطنية لدى الفلسطينيين وأدى إلى تطرف البعض, وعن حل مشكلة الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني فقد استشهد فيدرين بما قاله كسينجر: (إن هذا الصراع هو صراع أساسي في العالم والجميع يعلم أنه يجب التعامل معه خارج الشروط المسبقة ولا يمكن أن يحل إلا بالمفاوضات), وإذا كانت اسرائيل تريد حلاً حقيقياً لصالحها فيجب عليها التخلي عن منطق الحجج والهروب من المفاوضات,وعن حركة المحافظين الجدد يرى فيدرين أن هذه الحركة هي تيار فكري يعمل على مجابهة تيار السياسة الواقعية التي يجب على الغربيين تطبيقها وحمايتها ويرى أن تيار المحافظين الجدد يرفض السياسات الداعية إلى التهدئة وينادي بالتدخلات المباشرة في المسائل التي تشغل العالم على أن في ذلك واجباً أخلاقياً لكن هذا الواجب يقّيم بنتائجه فلننظر إلى ما آلت إليه هذه السياسة في المستنقع العراقي.
حرب العراق كانت خطأ كبيراً وإدارة الأزمة بعد الحرب كانت خطأ أكبر, ولا تزال حركة المحافظين الجدد تتمسك بآرائها رغم الخطر الذي يتهدد مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب, وحول مستقبل الولايات المتحدة يقول فيدرين: ما زالت القوة الأعظم ولا أرى حتى الآن بروز قوى أخرى تنافسها ولو بدا في الأفق قوى قادرة على ذلك مثل الصين وروسيا واليابان وربما الهند إلى حد ما, أما الاتحاد الأوروبي فمن الصعب أن نتنبأ بأنه سيصبح قوة عظمى..
الولايات المتحدة تستطيع أن تبقى في موقعها إن تعاملت مع السياسة العالمية بشيء من الذكاء والفطنة وليس حسب معيار القوة في وجه روسيا والصين, وفي هذا المجال تلعب العلاقات الأطلسية دوراً مفيداً لقيام تعاون ما بين الولايات المتحدة وأوروبا.. لكن على أساس شراكة حقيقية, الغرب يحق له أن يدافع عن مصالحه دون أن يؤدي ذلك إلى وقوعه لأسباب ما في تحالفات تنادي بالحروب المقدسة والصراع بين الحضارات وعليهم أن يدركوا بأنهم ليسوا وحدهم من يستأثر بالتاريخ.