فيما تحولت المدينة بعد ذلك برمتها الى ساحة حرب , حيث أعلنت حالة من التأهب القصوى وفرض الإغلاق والحصار التام على مختلف أنحاء الضفة الغربية , فقد أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية على انه برغم حالة الاستنفار التي تعيشها مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وكثرة الحواجز ونقاط التفتيش المنتشرة في المدينة استطاع مقاتل فلسطيني اختراق كل ذلك والوصول الى المعهد(مركز هراب) الذي يشكل معقل الصهيونية الدينية المتطرفة والتي يعتبر زعماؤها الآباء الروحيين للاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس بالتحديد .
قالت صحيفة هآرتس أن أولمرت استشاط غضباً لمشاهد :الكتب المقدسة المثقوبة بالرصاص وشالات الصلاة الملطخة بالدم , كما أنه سخط بشكل خاص أمام مشاهد الفرح في قطاع غزة.
وقال لمقربين منه: إن هذا يدل فقط على العدو الذي نواجهه, مضيفاً : إنهم يخرجون للرقص فيما يقومون بقتل شباب هنا بدم بارد.
من جهتها, أجرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية, تسيبي ليفني, اتصالات هاتفية, في أعقاب العملية, بكل من وزيرة الخارجية الأميركية, كوندوليزا رايس, ومنسّق السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا, والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون, ووزراء خارجية روسيا وبريطانيا وألمانيا, وأعربت عن احتجاج إسرائيل الرسمي على ما أسمته العملية الدامية.
ففي الوقت الذي اعتبر فيه معظم المحللين الإسرائيليين ان هذه العملية قد أسقطت بالفعل أي ستر للأمن الصهيوني بحيث بات الجميع لا يشعر لا بأمنه الفردي ولا الجمعي على حد تعبير مراسل التلفزيون الإسرائيلي في القناة العاشرة , فان بعض المحللين يتساءلون عما إذا كانت هذه العملية تنبئ بانطلاقة انتفاضة فلسطينية ثالثة.
واعترف المحلل العسكري في صحيفة يديعوت احرنوت رون بن يشاي ان عملية مركاز هراف جاءت ردا على الهجمات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة, والتي سقط خلالها ما لا يقل عن 130 فلسطينيا شهيدا ومئات الجرحى. ورأى بن يشاي أن هذه العملية بأنها تعتبر في الشارع الفلسطيني نجاحا كبيرا, من شأنها أن )تشجع شبانا فلسطينيين كثيرين في المناطق الفلسطينية المحتلة وفي إسرائيل بالاصطدام مع قوات الأمن الإسرائيلية.
وحذر الكاتب بالمقابل من احتمال حدوث أعمال شغب وعمليات انتقام من جانب اليهود نتيجة لتحريض جهات يمينية.
وأضاف بن يشاي قائلا : الخيارات الماثلة أمام الحكومة الإسرائيلية على أثر عملية القدس هما خياران لا ثالث لهما.
الأول يقضي بالموافقة على الاقتراح الذي ستعرضه مصر بعد مفاوضات تجريها حاليا الأخيرة مع حركة حماس للتوصل إلى تهدئة ووقف إطلاق نار. لكنه اعتبر أن هذا الخيار سيقود حماس إلى الاعتبار بأنها حققت انتصارا وتزايد شعبيتها وسيفسح المجال أمامها بإعادة التسلح في ظل التهدئة. والخيار الثاني الماثل أمام الحكومة الإسرائيلية يقضي بعدم الموافقة على وقف إطلاق نار في قطاع غزة وتصعيد العمليات العسكرية في القطاع. لكن هذا الخيار أيضا محفوف بمخاطر كبيرة تتمثل بتصعيد كبير في عمليات إطلاق على كافة الجبهات, بما فيها إمكانية محاولة حزب الله للانضمام للقتال.
وأشار إلى أنه في حال التصعيد فإنه لا يتعين على الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الأخرى الاستعداد لإمكانية كهذه وإنما الجبهة الداخلية, خصوصا في جنوب إسرائيل, يجب أن تكون مستعدة لنقل نساء وأولاد من هذه المناطق إلى أخرى أكثر أمانا.
ورأى المحلل في هآرتس أفي يسخاروف أن أعمال القتل التي اقترفتها إسرائيل في قطاع غزة الأسبوع الأخير جعلت الفصائل الفلسطينية ترى بأنها تملك الشرعية للانتقام من خلال تنفيذ عملية كالتي وقعت أمس. وأضاف أن موقع العملية يدل على أن التخطيط لها دام فترة معينة وأنه تم اختيار هدفها النوعي بدقة. كما سبقتها عملية جمع معلومات وكان منفذها يعرف وجهته وعلم أيضا أن لهذا المعهد الديني بالذات يأتي شبان مسلحون كثيرون.
ووجه يسخاروف, كغيره من المحللين الإسرائيليين, اتهامات بالتقاعس الأمني للسلطة الفلسطينية, علما أنه حتى صباح اليوم كان معروفا لأجهزة الأمن الإسرائيلية أن منفذ العملية جاء من ضاحية جبل المكبر في القدس الشرقية والتي تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية مطلقة.
وقال المحلل العسكري في صحيفة معاريف عمير ربابورت أن أحداث الأمس, بدءا بمقتل الجندي وانتهاء بالعملية, لم تكن صدفة, وإنما هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتصعيد العسكري الكبير في القطاع , وأن عملية شتاء حار التي انتهت هذا الأسبوع في قطاع غزة قادت إلى ربيع حار.