تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عناق العاشقين

دمشق عاصمة الثقافة
الأحد 16/3/2008
هاني الخير

يذكر الدكتور سليم عادل عبد الحق, المدير العام للآثار والمتاحف السابق, في شهادة له عن أغرب مشاهداته الميدانية,

التي لا تزال ماثلة في ذاكرته دون أن يطويها النسيان في محيط الصمت الأبدي, وهي تتعلق باهتمامه المهني في مجاهل التاريخ, وبما يعثر عليه خبراء الآثار وأهل التنقيب المهرة, من تماثيل بديعة الأشكال وبأحجام مختلفة, وعملات ذهبية وفضية وبرونزية نقش عليها أسماء وملامح الأباطرة والملوك والأمراء القدامى, وحلى نسائية, ولقى متنوعة الاستعمالات, وهياكل عظمية, تكون حبيسة الظلام, ومدفونة تحت التلال الترابية, أو الأودية السحيقة, أو في أمكنة نائية على الخارطة السورية, قد لا تسترعي انتباه الناس لجهلهم أن حضارة عظيمة سادت في هذا المكان ثم بادت لأسباب شتى.‏

ويقدم الدكتور عبد الحق هذه اللقطة المؤثرة التي أشرنا إليها بما معناه:‏

عثر رجال الآثار, منذ مدة غير بعيدة, في حفريات (تل الصالحية) بدمشق على عدة قبور مبعثرة هنا وهناك. ومن بين هذه القبور المجهولة, قبر أطلقت عليه إحدى الصحف مجازاً اسم (قبر العاشقين). لأنه وجدت في جوفه أربعة هياكل عظمية في أوضاع غريبة غير معهودة. فقد جعل - بضم الجيم - هيكل عظمي لرجل, في العقد الثالث من عمره, على جانبه الأيسر ومد ذراعه الأيسر على الأرض فاضطجع عليه هيكل عظمي لامرأة, في العقد الثاني من عمرها, ثم جعل ذراع الرجل الأيمن حول جسم المرأة. وقد تقارب الرأسان من بعضهما كأنهما رأسا عاشقين قد أسندا على وسادة وثيرة. ووجد إزاء صدر المرأة دبوس برونزي جميل الشكل له ساق, ويظن أنه كان يمسك طرفي ثوب هذه المرأة. وعلى أقدام العاشقين رقد بقايا هيكل عظمي لطفل في العاشرة من عمره ويرجح أنه كان ابنهما المدلل. وإلى جانب هذه الهياكل الثلاثة هيكل رجل رابع يظن أنه خادم الأسرة. وما زالت بين يدي هذا الأخير أوعية فخارية لحفظ الزيت والعسل.‏

ويضيف الدكتور سليم عبد الحق مفسراً هذه الحالة, في مقال له نشره في مجلة الشرطة والأمن العام, العدد الخامس, بما لفظه:‏

وأكبر الظن أن فاجعة دامية نزلت بهؤلاء الأفراد المساكين, منذ حوالي سبعة وأربعين قرناً, فماتوا جميعاً في وقت واحد, فجعل ذووهم جثثهم في القبر الجماعي على الشكل الذي وصفنا.‏

ويدل عناق العاشقين الرومانسي, كما يتحدث عالم التربية (فون دار أوستن) على أن العواطف الإنسانية النبيلة, ظلت إلى عصرنا هذا كما كانت قبل أربعة آلاف سنة, وأن تقديس الحب, والاحتفاء به, وإجلاله, اللذين يتبديان في القبر الغافي على عبق التاريخ التليد, هما دليلان على مدى التقدم الروحي, الذي بلغه سكان دمشق, في زمن كان فيه كثير من الشعوب الأخرى في حالة مزرية من الهمجية والشراسة والعدوانية لا توصف, حتى ان المرء ليصاب بالدهشة والذهول.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية