تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


غير المألوف في الرواية العربية

ثقافة
الخميس 01-10-2009م
هاني الخير

يمكن ن القول بكثير من الاطمئنان الشديد إنه قبل ظهور رواية (حمّام الملاطيلي) لمؤلفها الأديب اسماعيل ولي الدين ، ضمن مطبوعات الجديد في القاهرة عام 1973،

لم يكن الأدباء العرب بصورة عامة، ولاسيما كتاب الرواية الكبار بصورة خاصة ، أمثال: نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، وتوفيق يوسف عواد، وشكيب الجابري، وغيرهم.. يروق لهم تقديم شخصيات شاذة أو مثلية من الجنسين في رواياتهم أو قصصهم القصيرة بأي حال من الأحوال، فهذه الظاهرة المرضية الخبيثة، من المحرمات المسكوت عنها في دنيا الأدب العربي، وقد يجري تناولها وتشريحها في الغرف المغلقة، وفي المجالس الخاصة على حياء، لأنها حالة سلوكية غير سوية، يقع البعض في دائرتها، لأسباب فيزيولوجية وبيئية ونفسية لسنا في صدد الحديث عنها الآن..‏

بطل رواية (حمام الملاطيلي) التي قدمت على الشاشة الفضية اسمه أحمد وهو شاب رقيق الحال، هاجر من مدينة الإسماعيلية إلى القاهرة بسبب ظروف أسرته الصعبة وتردي أحوالها المعاشية من ناحية، وليتابع دراسته الجامعية من ناحية ثانية، بعد أن يكون وفّق في العثور على وظيفة متواضعة، تحقق له ما يريد تحقيقه من طموحات مستقبلية، ويكتشف بطل الرواية أحمد ( الحمام) بنفسه، وهو لا يتخذ موقفاً حاسماً من المدينة المليئة بالمتناقضات والمغريات الشهية ذات النمط الاستهلاكي، ويهزم أحمد لسعيه الدؤوب وراء الحل الفردي، إذ لا حل فردياً أمام مشكلة جماعية ذات أبعاد متعددة وانعكاسات متشابكة ، لذلك يرتمي في أحضان المدينة، دون أن يقدر العواقب، فيسقط في وحل المستنقع الآسن، وبعد أن يتورط في علاقة شاذة، يقاد إليها بالخداع، مع أحد الأشخاص الأثرياء وينتهي به المطاف إلى العودة لمدينته الصغيرة ،والخيبة تسبقه والمرارة تطحن روحه.ويبدو أن رواية (حمام الملاطيلي)، كانت السبب المباشر في تشجيع العديد من الروائيين على توظيف شخصية الشاذ في أعمالهم الإبداعية، كما فعل الأديب المرموق عادل أبو شنب في روايته المتميزة (وردة الصباح) الصادرة عام 1976 ضمن منشورات اتحاد الكتاب العرب بدمشق، حيث يقدم الانحراف الخلقي، على أنه اعتداء المدينة الصاخب على نقاء الريف وسذاجته، من خلال الأحداث التي جرت مع بطل الرواية سواء في الحمام أم في الحارات الشعبية الظليلة.‏

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ازداد إثارة عندما أطلق الكاتب الكبير حنا مينه روايته الرائعة التي حملت اسم ( المرأة ذات الثوب الأسود)، الصادرة ضمن منشورات دار الآداب في بيروت عام 1996.‏

في هذه الرواية الشائقة يتحدث عن علاقة غرامية متأججة بين امرأتين هما جاكلين وروزا التقى بهما بطل الرواية عبد الجليل الحصباوي، المؤلف نفسه، في القطار دون موعد، وحين يكتشف الحقيقة الصعبة بالمصادفة وحدها يعلق على ذلك الأمر المشين باستنكار ودهشة معاً:‏

أن يكون الرجل شاذاً فهذا شبه طبيعي وأعتبره نكتة، أما أن تكون المرأة شاذة، فهذا غير طبيعي يثير غضبي واعتبره موبقة ص22.‏

إن تقديم مثل هذه الحالة الشاذة وغيرها في الرواية المشار إليها هي ظاهرة جديدة في عالم حنا مينه الروائي، حيث لم يسبق له أن قدم لمحبي أدبه الكثر ما يمكن أن نطلق عليه التشوه الخلقي للبطل أو البطلة، الذي يدينه المؤلف بصراحته المعهودة.‏

وبعد هذه الأعمال الروائية الثلاثة جاءت رواية (حالة شغف)، وهي قنبلة أدبية من العيار الثقيل، لمؤلفها الأديب الموهوب نهاد سيريس الصادرة عن دار عطية في بيروت عام 1998 حيث رصدت هذه الرواية أجواء نسائية شديدة الخصوصية بأسلوب مفعم بالتشويق.. ينتقل الراوي عبر تعاقب الأجيال ليرصد، تحت المجهر، حالة شغف امرأة ذات ميول غير طبيعية بامرأة أخرى بصورة مكشوفة دون مواربة أو إيماءات رمزية مشحونة بالمعاني المبطنة:‏

«هناك شيء آخر اشتهرت به ألا وهو حبها للنساء، حبها لبنات جنسها.‏

كانت أخبار عشقها ومعشوقاتها تتردد في الصالونات وفي الاستقبالات وفي حفلات ( الحمام) لم تكن تخجل من هذه الأخبار أو الإشاعات بل كانت تفتخر بها وتتفاخر.. ص 39».‏

أما ذروة هذه الروايات المبتكرة في تاريخ الرواية العربية المعاصر، التي تتحدث عن عالم المرضى وبواعث انحرافهم، فكانت رواية (عمارة يعقوبيان)، لمؤلفها طبيب الأسنان الأديب علاء الأسواني، الصادرة عام 2003 عن مكتبة مدبولي في القاهرة، التي استقبلت استقبالاً باهراً بعد تحويلها إلى فيلم سينمائي، من بطولة النجم عادل إمام، ويسرا ويحيى الفخراني، حيث قدم لنا علاء الأسواني بحرفية فنية عالية طبيعة الصداقات المشبوهة غير البريئة التي تقوم بين هؤلاء المرضى، وذلك من خلال علاقة الصحفي الذائع الصيت حاتم رشيد مع عبده الطيب القلب القادم من الريف وانتهت هذه الرواية بمصرع حاتم رشيد على يدي أحد الشاذين وعودة عبده إلى قريته في الصعيد بعد أن فقد طفله الصغير، وفيما يلي هذا الحوارالطريف بين الطرفين:‏

- مالك ياعبده؟!‏

-خايف ياحاتم بك..‏

- خايف من إيه..؟!‏

- من ربنا سبحانه وتعالى؟!‏

- بتقول إيه..؟!‏

- ربنا سبحانه وتعالى.. أنا خايف يعاقبنا على اللي بنعمله..‏

سكت حاتم وجعل يتأمله في الظلام.. بدا له الأمر غريباً، وكان آخر ما يتوقعه أن يتحدث مع عبده في الدين.. ص 185-186.‏

أخيراً.. لابد لي من الإشارة السريعة إلى رواية (اكتشاف الشهوة)، للأديبة الجزائرية فضيلة الفاروق، التي تنتمي لعائلة بربرية عريقة على حد تعبير الناشر، الصادرة عام 2006 عن دار الريس للنشر، فقد غاصت الأديبة الخجولة في وصف مشاعر المرأة المقهورة، التي تتعرض إلى ألوان من العنف الجسدي، الذي يتنافى مع كرامتها، وإنسانيتها الرقيقة..‏

وفي رأيي الشخصي.. فإن الاستعانة القسرية بشخصيات مريضة وغير متوازنة في الأعمال الروائية الجديدة، غالباً، يراد منها الإثارة والتشويق وإقحام القارئ في أجواء من الغرائبية والدهشة، دون أن يعرّضوه للخطر ، وهي غير مألوفة أو مستساغة بالنسبة إليه، لكن فضوله المعرفي يدفعه بحماس وبلهفة عارمة إلى متابعة أحداث وفصول الرواية التي تكون بين يديه.‏

مع التنويه بأن هذه الظاهرة المرضية السيئة، محدودة الانتشار في العالم العربي والإسلامي،، وليس الحال عندنا كما هو الحال في الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وبريطانيا التي أعلنت مؤخرا عن حاجتها الماسة إلى متطوعين من مثليي الجنس الذكور والإناث، للانخراط في وحدة الحماية الملكية المسؤولة عن حراسة الملكة اليزابيت الثانية، ومن أراد التوسع في هذا الشأن فأحيله إلى الصفحة الأخيرة من الثورة الصادرة بتاريخ 25/9/2009.‏

إذاً هذه الظاهرة المرضية محدودة الانتشار، وهي تظهر على الأغلب في أوساط معينة، نتيجة التربية الخاطئة، والكبت والحرمان.. وقد تظهر بنسب متفاوتة في البيئة المتزمتة التي لا تؤمن بجدوى العلم والتعليم ومواكبة التطور الاجتماعي في أرقى صوره.‏

وكلي أمل وثقة أن يكون أبطال وبطلات الروايات القادمة إلينا، يتمتعون بحياة عاطفية طبيعية وسليمة، وبقوة بدنية عالية، وبرشاقة في القوام، دون أن تنتابهم كوابيس حالات المرض والانحراف، فيبتعدون عما أرادته تعاليم السماء، وحكمة الطبيعة من أجل استمرار الحياة على سطح كوكبنا الأرضي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية