تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


على مدى عشرة أيام إيطالية..«بوكاشـــــيو».. يــــروي ليالينـــا العربيــــــــة..

ثقافـــــــة
الخميس 3-1-2013
 هفاف ميهوب

«إذا حال عجزنا ونقصُنا عن أن نحظى بمودةِ صديقٍ, فليُسعدنا الأمل بأن تلقى الصداقة الجزاء الذي تستحق»..

مقولةٌ علَّق عليها الإيطالي «جيوفاني بوكاشيو» رائد النثر الحديث, وعلى قصة أوردها في كتابه «ديكاميرون» أو «الليالي العشر».. القصة التي كان بطلها «صلاح الدين الأيوبي» والتي عبَّر من خلالها عما كان يشعر به حقيقة, وهو بأن الصداقة أقوى من الحب ومن كلِ الأطماع والمآرب والخصومات العدائية..‏

في هذه القصة أحاط «بوكاشيو» شخصية «صلاح الدين» بصفاتٍ من النبل والأخلاق والفروسية.. أحاطها أيضاً بالعظمة والرهبة, إضافة إلى الكرم وردِّ الجميل, وسوى ذلك من شهامةٍ ومروءةٍ عربية..‏

وردت هذه القصة, في كتاب «الديكاميرون».. الكتاب الذي توَّج به «بوكاشيو» أعماله الأدبية والذي استمر في كتابته خمس سنواتٍ (1350- 1355) وضع خلالها فيه كل خبراته وتجارب حياته, وارتقى بفنِّ القصة إلى مستوى لم تكن قد بلغته في القرون الوسطى.‏

يتألف الكتاب من مائة قصة شعبية, وهي تشبه قصص «ألف ليلة وليلة» التي تأثر بها «بوكاشيو» واقتبس منها وإلى أن باتت قصصه تشبهها وبدءاً من الفكرة لطالما, وفي الوقت الذي فكَّرت فيه «شهرزاد» العربية بأن تسردَ لزوجها «شهريار» أروع الحكايا هرباً من سيفه الذي سيقتلها بقطع رأسها, فكَّر شباب وصبايا «بوكاشيو» الإيطالي, باللجوء إلى سردِ القصص وأيضاً هرباً من الموت ولكن, الذي خافوا أن يطالهم بسبب وباء الطاعون الأسود الذي اجتاح إيطاليا وأوروبا معاً..‏

يبدأ «بوكاشيو» كتابه بالقول: «إن عصبة مؤلفة من سبعٍ شاباتٍ وثلاثةشباب.. شباب تتراوح أعمارهم مابين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين, اتفقوا على اتِّقاء الوباءِ بالهرب من فلورنسه والاعتزال في قصرٍ ريفيٍّ جميل, ثم رأوا أن يشغلوا أنفسهم وأيامهم بسردِ الحكايات المسلية, على أن يُتوَّج كل واحدٍ منهم كملكٍ ليومٍ يختار له موضوعاً للقصص التي على كلِّ فردٍ منهم أن يروي واحدة منها, ودون أن يخرج عن مضمون الموضوع الذي اختاره الملك المُتوَّج.‏

أما عن أولى القصص التي سُردت فهي «كلّ النساء سواء» الحكاية التي رُويت في اليوم الأول, وهي ذاتها التي روتها «شهرزاد» ضمن حكاية تعبِّر عن مكر وكيدِ النساء.. أيضاً, هناك العديد من القصص التي تعتمد على الطرافة والخيال والمفاجأة والتي أكثر ما تخصُّ النساء, وفي سردها لحكايا العشقِ والخيانة والدهاء والتفنن بِخِداع الزوج والإيقاعِ بالمعشوق, وبطرقٍ فائقة القدرة في اعتمادها على الحيلة والغواية والذكاء..‏

وتتوالى القصص التي كان يبلغ عددها في اليوم الواحد عشرة, والتي وصل عددها بعد تناوب أعضاء المجموعة على القص يومياً ولمدة عشرة أيام, إلى مئة قصة تشبه جميعها قصص «ألف ليلة وليلة» وسواء في شعبيتها أو أسماء أبطالها وبطلاتها وكذلك إغوائها ومرحها وخديعتها وتهكمها وشعوذتها ونقدها وهزليتها وسخريتها, ومن الملوك والعبيد والرهبان والتجار والوجهاء وعامة الشعب ممن كشف «بوكاشيو» عيوبهم ونقائصهم وبطريقةٍ وإن كانت جداً طريفة ومدهشة وخيالية إلا أنها لم ترتقي إلى ما ارتقت إليه قصص «ألف ليلة وليلة» بلياليها الساحرة والعربية.‏

هذا هو «ديكاميرون» أو الليالي العشر, كتاب آخر من الكتب التي تدلُّ على أننا من علَّمنا أدباء وشعراء العالم فن الحكاية والسرد.. الكتاب الذي عكس حب وولع «بوكاشيو» بالحياة الشرقية, وبما فيها من فكاهة وجمال وطبيعة, إضافة إلى ما فيها من المتعة التي استهوته والأجواء الساحرة التي جذبته, بل والمفردات التي سعى جاهداً لابتكار مثلها, وإلى أن رحل وبقيتْ من أهم الآثار التي خلَّدته..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية