تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كل خميس .. وقفـة مع الذات قبـل الآخر

ثقافـــــــة
الخميس 3-1-2013
 حكيم مرزوقي

اعتاد الواحد منّا أن يحاسب المرآة قبل وجهه، صغر الحذاء قبل قدميه، قصر البنطلون قبل ساقيه، ضيق القميص قبل منكفيه وصدره.. ويباسة رأسه قبل رحابة طربوشه..

نحن أشبه بالجمل الذي انشقّت شفتاه وهو يضحك من شفة زميله المنشقّة في القافلة الواحدة.. فيا حادي العيس عرّج كي نعلّم مالقيصر لقيصر وما لله لله.‏

يعتقد الواحد منّا أنه الأفحل إن كان شاعرا والأبهر إن كان رسّاما والأدهش إن كان مخرجا، تطابقا مع قول الشاعر:‏

ولي عزم يشقّ الصخر شقّا‏

ويكسر بيضتين على التوالي‏

في البيداء ما جرّبت نفسي‏

ولكن في الهزيمة كالغزال‏

نحن غزلان - ّذن - في عيون أمّهاتنا اللاتي تشتكين، ضعاف الحركة وهن الروح والجسد.. نحن نمور كانت قططا في بلاد المجاعات.. أو ربما فئرانا في الأصقاع التي انقرضت فيها الفيلة.. على سبيل التشابه، لا الفعل..‏

نحن - معشر العرب ومن لفّ لفّهم وعاصرهم من ذوي السلطان الأكبر -.‏

أيها العربي، انظر إلى مراياك المحدودبة والمقعّرة والمهشّمة، تفحّص في مراثيك والعن ساعات الضياع، ماقيمة الزمن ما لم يكن في يدك سيف في حدّه الحد.. بين الموت والجهل والحدّ واللعب.. يا سيّد الوقت.‏

هاهي السنة تخبو مثل تنّين يغرق، تنفرط مثل مسبحة، فانظر إلى الأعلى ولا تدقّق في حبيبات الرهان.. أيها المسبّح باسم الذي خلق شقائق النعمان وكروم العنب والأمل والغضب.. ياقاطف الأشواك في أمصار الآخرين الوهميّة.‏

لماذا نتقن الوقوف مع الآخر أماما وخلفا وسويّة ثمّ ندرك بعد فوات الأوان أنّ وقوفنا لم يكن إلا جثوما ومضيعة لسنوات الغدر، كن أنت أيها الذي لم تكن يوما إلاّ فريسة بين أنياب الصبح الكاذب.‏

لماذا (لم نجد سيفا إلاّ وجد غمده في لحمنا)، لماذا كتمت سرّ قدومنا الأفلاك والنجوم ولم تعلنه إلاّ أعراس النحل في السماء.. لماذا لم يقل السوري للسوريّ: (كفّ عن سوريتك).. ذلك أنّه يؤمن بالزيتون المسافر نحو شواطئ قرطاج والأنغام العائدة من ضباب الأندلس والخطّ الديوانيّ المخبّئ في المداد العظيم.‏

ليست العروبة في دمشق وشما خلّبيّا يباع في أسواق الصالحيّة، يمحى بزوال المناسبة.. وإنّما دم يمتدّ من ساحة التجريدة المغربيّة المعروفة بالسبع بحرات إلى نغم قادم من آهات فرقة (الجيل جلالة) المغربية في مراكش.‏

ليس الاسلام آذانا يرفع في مآذن بني أميّة وتنصت إليه الحمائم والسائحات وعابري السبيل، إنما هو ما قاله الأمويون للروم في حروب الثغور وما همست به الأمواج لذات الصواري.‏

ليست الغرابة في الزجاج المعشّق، بل العاشق أبدا لفلول الشمس ولغة الألوان والعبادات.‏

قف مع ذاتك أيها العربي، لا بل خلفها كي تؤمّ بك الصلاة.. والله أكبر كبيرا.. أكبر ممّا يتصوّرون.‏

hakemmarzoky@yahoo.fr

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية