حيث يلمس المراقب لتطورات الأحداث فيهما أن ثمَّة سماتٍ مشتركة لأسلوب حكم السلطات الجديدة في البلدين العربيين الشقيقيين , إذ يتجه حكام هذين البلدين الجدُد بشكلٍ منهجيّ ومدروس إلى تحقيق خطوات مدروسة ومحددة منها:
توجّهات خطيرة
1- الانفراد بالسلطة داخل البلاد , والاستحواذ عليها بشكلٍ نهائيّ , وإقصاء أو ابعاد القوى والقيادات السياسية الأخرى وتهميشها إلى أبعد حدّ تمهيداً لإلغائها .
2- سيطرة الحزب الحاكم في كلّ منهما على الإعلام الرسمّي شيئاً فشيئاً , ومحاصرة الإعلام المستقل والمعارض خطوة خطوة تمهيداً لتدجينه وتسخيره لخدمة السلطة الجديدة.
3- تسليط تشكيلات شبه عسكرية /ميليشيات وما شابه ذلك / تابعة للحزب الحاكم على المعارضين وفعالياتهم الاحتجاجيّة على ممارسات السلطة , وعلى العمال ومنظماتهم النقابية واحتجاجاتهم المطلبيّة والسياسية. مثال عن ذلك : الاعتداء على عمال المحلّة الكبرى في مصر في الحادي والعشرين من شهر تموز الماضي , والاعتداءات على اعتصامات المعارضة عند قصر الاتحادية , وعلى المعتصمين في ميدان التحرير في القاهرة والميادين والساحات في مدن مصرية أخرى , والاعتداء على الاتحاد العام التونسي ّ للشغل في الرابع من شهر كانون الأول 2012، ومحاولة اقتحام مبنى المجلس الوطني التأسيسي في تونس أيضاً ,وكذلك الاعتداء بالضرب والطعن بالعصي وبالسلاح الأبيض وبالحجارة والآلات الحادة الأخرى على أعداد كبيرة من المعارضين والنقابيين في أماكن مختلفة من البلاد ,كلٌّ ذلك من أجل إسكات أي صوت يرتفع في وجه ممارسات وسياسات السلطة القائمة .
4- المزاوجة الحثيثة والتامة بين مؤسسات ودوائر الحزب الحاكم وهيئاته وأجهزة الدولة إلى حدّ التطابق بينهما في كل شيء في مجالات التضييق على الأحزاب الأخرى.
5- منح السلطة التنفيذية في البلدين مُمثٌّلة برئيس الجمهورية في مصر ,ورئيس الوزراء في تونس /سلطات مُطلقة على حساب باقي سلطات الدولة التشريعية والقضائية.وخير مثال على ذلك أيضاً :الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري /محمد مرسي/والذي حوَّله إلى ديكتاتور يملك جميع السلطات ,ثم عمد إلى ترسيخ هذه السلطات ضمن الدستور المصري الذي طرحه للاستفتاء على مرحلتين,ليتمكن من التحكّم بالنتائج بحيث تأتي على هواه وعلى هوى حزبه /جماعة الإخوان المسلمين/الأمر الذي أدى كما يعرف الجميع إلى تزايد الاحتجاجات الشعبية في مصر لتصل إلى حدّ الصدامات والاعتداءات من قبل جماعة الإخوان المسلمين على المحتجين على مرأى ومسْمَع من السلطات الرسمية التي تغاضت عن هذه الاعتداءات عمداً.
6- التعامل مع الصراع الطبقي المحتدم في هذه البلدان بأسلوبٍ ديماغوجيّ فوضويّ تلفيقيّ لا يخدم إلا ارباب العمل على حساب العمال ,ويقترح الإحسان والصدقة بديلاً للحقوق والمكتسبات العمالية والطبقية وقد جاءت فصول وبنود الدستور المصري الجديد الذي طرح للاستفتاء مؤخراً رغم المعارضة الشعبية الواسعة له لتشكل أوضح دليل على ذلك,هذا الدستور الذي فصّله الرئيس مرسي على مقاسه ومقاس جماعته وحسب توجيهات واشنطن ونصائح الدوائر الاميركية وصندوق النقد الدولي ,ليخدم الاتجاه الليبراليّ في الاقتصاد,ضارباً عرض الحائط بمصالح فئات الشعب العاملة.
7- السعي للحدّ من الحريات الفردية وإلغاء بعضها , تحت لافتة الشريعة الإسلامية كما يفهمها ويفسرها الحكام الجُدد,وبما يرضي السلفيّين والمتطرفيين الذين يريدون اعادة مصر وتونس عقوداً , بل قروناً إلى الوراء تحت ستار العودة الى أصول الدين.
نحو فاشية جديدة
والآن اذا دققنا في هذه التوجّهات والمساعي لحكام البلدين نرى بوضوح لا يقبل الجدل او الشك بأن البلدين يتّجهان نحو المزيد من الفاشية لأن هذه الممارسات هي أقرب ماتكون إلى الفاشية المقيتة والفاشية كما هو معروف تظهر عادةً ابّان الازمات الاقتصادية الطاحنة التي لا تظهر آفاقٌ لحلّها بالطرق العادية السلمّية كهجومٍ استباقي من رأس المال الكبير , هدفه اخضاع الطبقات الشعبية بالقوة للحلول الاقتصادية القاسية التي تخدم مصالحه وحده وخاصةً مصالح رأس المال المالي.ولمّا كان الوطن العربي يعيش ضمن هوامش النظام الرأسمالي الدولي وأطرافه. فإنَّ الفاشية , في المنطقة العربية تخدم هدفاً آخر كبير الأهمية بالنسبة لمراكز النظام الرأسمالي الدولي , ألا وهو تجديد التبعية المطلقة لها وإدامتها والحفاظ على الوضع الهامشيّ الطرفيّ للبلاد العربية , بإخراج الرأسمال من عثراته وتعزيز سلطته وإدامتها , لذلك يتضح للجميع المدى الواسع للرعاية غير الخافية على أحد ,والتواطؤ المكشوف اللذان تُغَدقهما الولايات المتحدة والغرب عموماً على سياسة وممارسات الرئيس/مرسي/في مصر ,ورئيس الوزراء في تونس بما يساعدهما على الهيمنة على الحياة السياسية في البلدين والاستفراد بالحكم ,وإقصاء الآخرين إقصاءً تاماً.
تجديد للتبعية
جدير بالذكر أنه بعد اهتراء الأنطمة العربية التابعة لأمريكا وللغرب عامة في العديد من البلدان العربية , ووصولها إلى طريق مسدودٍ , بعد أن قدمت خدماتٍ كبيرة لأسيادها في واشنطن والعواصم الأطلسية والأوروبية الأخرى ,توصلت الدوائر الرأسمالية والامبريالية ومراكز أبحاثها ودراساتها إلى أنه لا يمكن تجديد التبعّية في تلك البلدان إلا بالفاشيّة ,ذلك ان الحلول الديمقراطية الحقيقية تقود إلى العدالة الاجتماعية ,وإلى إطلاق الآليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى فكّ التبعيّة ,والتأسيس لحالةٍ من النهوض الوطنيّ والقوميّ ,وهذا مالا يتلاءم مع مشاريع أمريكا والغرب الاستعمارية التوسعية الاستغلاليّة التي تنبثق بالدرجة الأولى من المصالح الخاصة للدوائر الغربية في الاقتصاد والسياسة والمجالات الأخرى أيّ كانت .
وهناك شاهد آخر على الدعم الأمريكي للرئيس /مرسي/يتجسّد في أنَّ واشنطن تغضُّ النظر عن العُنف الذي يُمارَسُ في مصر من قبل نظام حكم الإخوان المسلمين ضد المحتجين من القوى الوطنية والديمقراطية على الإعلان الدستوري قبل إلغائه وعلى الدستور نفسه , ولا تدينه بينما تشجّع على العنف في سورية وتمدُّ المجموعات المسلحة بالسلاح والمال ,إلى جانب الدعم السياسي. .طبعاً هذه ازدواجية في المواقف ,فكيف تبرّر واشنطن العنفَ في مصر ,وتدعو إلى الحوار هناك , بينما تدعو إلى مزيد من العنف في سورية ؟ !
طبعا مثل هذه الازدواجيّة ليست مُسْتغرَبة ,لأن النظام الحاكم في مصر ينفذ أجندة أمريكية وغربية ,ولهذا يحظى بالدعم الأمريكي والغربيّ في سعيه أيضاً إلى الاستئثار بالسلطة ,وتهميش وإبعاد الآخرين عنها.