كان لها تأثيراتها السلبية سياسياً واقتصادياً، والتدخل القطري كان له السمة الأبرز في الأحداث السياسية لهذه البلدان، بما يخدم مصالح الغرب وأميركا وإسرائيل.
انتهى عام 2012 حيث ساده الكثير من الاحتجاجات في منطقة “الربيع العربي” وسيطرة القوى الإسلامية على الحكم في تونس ومصر وليبيا، كما شهد العديد من الاضطرابات العنيفة والمواجهات بين قوى مختلفة، ولم تستقر الأوضاع بالشكل المطلوب في أي من تلك البلدان، فمصر تشهد توترات واحتجاجات يومية، ولم تستقر الأوضاع في تونس، وكذلك الحال بالنسبة لليبيا، واليمن مهيأة للانقسام، والبحرين قمع لاحتجاجات وإعلام غائب.
مصر كانت لها الحصة الأكبر من الأحداث السياسية التي شهدتها ساحتها الداخلية كان أبرزها الحكم على الرئيس السابق محمد حسني مبارك بالمؤبد وتولي الإخوان عبر ممثلهم محمد مرسي الرئاسة، بدأت 2012 بسعي أميركا لتعزيز علاقتها بالإخوان، وقام موقع ويكيليكس بفضح 37 منظمة حصلت على تمويلها من أميركا، فيما اصطبغ الأول من شباط بلون الدم بسبب مجزرة راح ضحيتها 73 شاباً من الجماهير أثناء مباراة بكرة القدم، الأمر الذي حرك الشارع المصري مجدداً، وفي 24 حزيران أعلن محمد مرسي رئيساً للجمهورية كأول رئيس منتخب لمصر، حيث قام باتخاذ العديد من الخطوات في طريق التفرد بالسلطة، ما دفع الشعب المصري لرفضه لاستبدادية وديكتاتورية جماعة الإخوان المسلمين والرئيس مرسي.
بقيت ساحات مصر تعجّ بالاحتجاجات، وخصوصاً على وقع محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك والأحكام التي صدرت بحقه، ثم تحولت المواجهة إلى مرسي في 12 آب حين اتخذ قراراً ألغى بموجبه الإعلان الدستوري الذي كان المجلس العسكري قد أصدره في حزيران وأحال كلاً من وزير الدفاع المصري المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان المصري سامي عنان إلى التقاعد، لكنّ الأخطر من ذلك كان الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في 22 تشرين الثاني ومنح نفسه بموجبه صلاحيات استثنائية، أدى لاندلاع اشتباكات بين مؤيديه ومعارضيه كادت أن تأخذ البلاد نحو المجهول، لينتهي العام على “استفتاء” بدا أنه منح الشرعية لدستور جديد، لا تزال بعض مكوّنات المعارضة ترفضه وتتوعّد بالنضال لإسقاطه، ما يعني أنّ القادم على مصر مجهول، فترة تمثلت بالانقسامات والاصدامات بين القوى السياسية، وظهر ذلك بشكل واضح في أحداث قصر الاتحادية ومحاولة المتظاهرين لاقتحام القصر، ما أسفر عن سقوط العديد من القتلى، هذه الأمور تسببت في تدهور الاقتصاد فانخفاض التصنيف الائتماني لمصر.
فيما تميّزت الساحة السياسية في تونس بالاحتجاجات الشعبية والتوتر والانقسام الحاد بين الائتلاف الحاكم الذي تتزعمه حركة النهضة الإسلامية ويضم حزبي المؤتمر والتكتل وبين فصائل المعارضة، واتسم الخطاب السياسي بالتشنج وكيل الاتهامات بين الطرفين، وتعددت المعارك السياسية التي كانت تُحسم مرة بالتسوية ومرة بقوة الشارع، وعرفت عملية صوغ الدستور الجديد بطئاً شديداً، حيث كان من المقرر أن تنتهي عملية المصادقة على الدستور في 23 تشرين الثاني لكنه لم ينته حتى الآن، وفي حزيران أسس الوزير السابق الباجي قائد السبسي حزباً جديداً باسم “حركة نداء تونس”، ليصبح هذا الحزب في مدة وجيزة من أكثر الأحزاب فاعلية في المشهد السياسي، كما تأسست جمعية تحت مسمى “الرابطة الوطنية لحماية الثورة”، وأوكلت إلى نفسها مهمة الدفاع عن الثورة، وقد عرفت أنشطة هذه الرابطة بالعنف حيث قامت بالاعتداء على اجتماعات الأحزاب وعلى التظاهرات الثقافية والسياسية.
لقد أثمر 2012 عن أحداث السفارة الأميركية التي سقط فيها قتلى وجرحى وأدى إلى انتهاء الود بين الحكومة التي تقودها حركة النهضة والسلفيين والمعارضة، كما عرفت تونس اضطرابات أمنية متنقلة على فترات مختلفة ولعل أبرزها الاشتباكات المسلحة بين قوات الأمن والجيش الوطني ومجموعات قريبة من “تنظيم القاعدة”، كما عرفت محافظات عدة مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن ومكافحة الشغب أسفرت عن اعتقال العديد من المواطنين وإصابة العشرات منهم.
أما في ليبيا فقد كانت 2012 سنة مواجهات بين السلطات سابقين ومليشيات مسلحة بالرغم من دمج السلطات آلاف المسلحين في وزارتي الداخلية والدفاع، وقد قتل الآلاف في صدامات قبلية، كما تم في حزيران احتجاز أربعة عناصر من بعثة للمحكمة الجنائية الدولية في الزنتان وفدوا لمساعدة هيئة الدفاع عن سيف الإسلام القذافي، واتهموا بتهديد الأمن القومي، وإطلاق صواريخ على موكب دبلوماسي بريطاني في بنغازي، كما استهدفت هجمات أخرى البعثة الدبلوماسية الأميركية ومركز اللجنة الدولية للصليب الأحمر وموكباً للأمم المتحدة في المدينة، كما توجه الليبيون في 7 تموز إلى صناديق الاقتراع للمرة الأولى لانتخاب مجلس تأسيسي للمؤتمر الوطني العام؛ وانتخب محمد المقريف رئيساً للمؤتمر، وفي أيلول سلمت موريتانيا عبد الله السنوسي رئيس الاستخبارات السابق في عهد القذافي والملاحق أمام المحكمة الجنائية الدولية إلى ليبيا، وتم مقتل السفير الأميركي “كريس ستيفن” وثلاثة أميركيين، في هجوم على السفارة في مدينة بنغازي، وفي كانون الأول قرر البرلمان الليبي إغلاق الحدود البرية مع دول تشاد والنيجر والسودان والجزائر وإعلانها منطقة عسكرية وتعيين حاكم عسكري.
انتهت «الثورة»، أم لم تنتهِ؟ نجحت «الثورة» أم لم تنجح؟... ما زالت المسألة محل خلاف بين اليمنيين، إلا أن المتفق عليه أن أحداث 2011 انتقلت تبعاتها كتركة ثقيلة تحمّل الجميع أعباءها خلال 2012، الذي ودعه اليمن بالتحضير للحوار الوطني الشامل والسعي لإعادة هيكلة الجيش المنقسم ضمن مسار التغيير في البلاد خلال المرحلة الانتقالية الثانية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تسلم السلطة في 27 شباط، حيث شهد 2012 انتشاراً لـ”عصابات مسلحة منظمة” بجانب وجود تنظيم القاعدة بالعاصمة صنعاء ومدن رئيسية أخرى، وكان هذا العام الأكثر شراسة ودموية في الحرب الدائرة بين القوات الحكومية وتنظيم “القاعدة” الإرهابي الذي تحول إلى عمليات الاغتيال والتفجير بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة وكمائن استهدفت قادة عسكريين ورجال أمن ورجال اللجان الشعبية الذين ساندوا الجيش، حيث يعد تفجير ميدان السبعين بصنعاء الذي استهدف بروفات لعرض عسكري في أيار أكثر عمليات القاعدة دموية الذي أوقع 93 قتيلاً من قوات الأمن المركزي و222 جريحاً، وفي مطلع آب قتل 45 شخصاً وجرح 40 آخرين في هجوم انتحاري على مجلس عزاء في منزل قيادي باللجان الشعبية، واغتيال قائد المنطقة العسكرية الجنوبية في اليمن اللواء سالم قطن، كل هذا أدى إلى تدهور أمني رغم هزائم القاعدة وركود اقتصادي كبير رغم تعهدات المانحين من الخليج، ولا يزال الفساد يضرب بقوة في اليمن المصنف خامساً عربياً ضمن قائمة الدول الأكثر فساداً في مؤشر الفساد للعام 2012، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، وقد تكبد اليمن خسائر بقيمة تقرب من نصف مليار دولار جراء أعمال التخريب التي طالت أنابيب النفط والغاز.
الخليج العربي لم يكن بمنأى عن “الربيع العربي”، لكن تداعياته ظلت طي التعتيم، فالسعودية التي تخللتها العديد من حوادث الاصطدام بين متظاهرين سلميين وقوات آل سعود، وعشرات القتلى في القطيف ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين، والأردن الذي سعى لتحييد نفسه عن موجة “التظاهرات” التي بدأت بالوصول إليه بفاعلية، أما البحرين فقد استمرّ الحراك فيها على امتداد العام مع غياب الوهج الإعلامي والعديد من محاولات القمع والاعتقال في محاولة لإنهاء هذه الاحتجاجات، وها نحن نغادر العام 2012 بحقيقة واحدة فقط، هي أنه لا أفق لإنهاء الأزمة التي ستستمر للعام الجديد، بصراع مستديم بين السلطة البحرينية والمعارضة.
الديمقراطية من منظورهم تعني الفوضى والاحتراب بين أبناء الوطن الواحد، وحقوق الإنسان والحرية تعني القتل والتشريد والتدمير، وتسمية “الربيع العربي” تندرج ضمن هذه الواجهات التي تخفي وراءها الكوارث والمآسي، فهل يمكن لنا أن نسمي الوضع الذي آلت إليه الأمور في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين ربيعاً!؟ إنها صادرات الغرب وأميركا وأساليب المخادعة المكشوفة، إنه ربيع مزعوم ليس إلا، فلا ربيع في “الربيع العربي” هذا ما بينته الأحداث في العام المنصرم.