تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«حق الأطفال.. ممكن أو محال؟»

معاً على الطريق
الخميس 3-1-2013
لينا كيلاني

في زمن تتسارع فيه عجلة الحياة تأخذ بعض المسارات في النمو على حساب غيرها. مَنْ كان يظن في بدايات القرن الماضي أن يعلو صوت المرء مطالباً بحقوق الإنسان ليصبح الصوت صرخة، والنداء استغاثة؟

وعندما يصبح العالم مكاناً واحداً لكل من يحيا فوق هذا الكوكب لا يعود هناك من فواصل بين عالم للكبار وآخر للصغار، بل يغدو عالم صغارنا مسيجاً بما يقوم به الكبار. وتقوم المؤسسات والجهات الدولية والإقليمية بسن القوانين والأنظمة الضابطة لهذه العلاقة المتداخلة بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون، وتبرز بنود ولوائح لحقوق الطفل تهدف الى حماية هذه الكائنات الصغيرة والبريئة لتعيش في عالمها الطفولي بعيداً عن صراعات الكبار وخلافاتهم. إلا أن ما هو كائن يلقي بظلال قاتمة على ما يجب أن يكون، فإذا بالأطفال يصبحون الأكثر تضرراً بما يجري في عالم الكبار من حروب، ونزاعات، وظلم، واستغلال.‏

وإذا كانت سنة الحياة أن تجدد الحياة نفسها عن طريق الطفولة كما تجدد الشجرة أوراقها، وكما تتكاثر باقي المخلوقات، وإذا كانت هذه المخلوقات تستميت في الدفاع عن صغارها أو حتى عن بيوضها فما بالنا ونحن نبتعد عن الفطرة السليمة المعجونة بالذكاء، وما بالنا بالعقل الذي يفرض علينا رعاية للطفولة أكبر بكثير مما هي عند سائر الكائنات الاخرى؟‏

ها قد أصبحنا لا نعي هذه الحقائق.. والاهم من ذلك أننا نحاول أن نبني مجتمعاً إن لم يكن واحداً فهو متشابه على الأقل، إذن فالقوانين التي تحكم علاقتنا بالطفولة يجب أن تكون أيضاً واحدة او متشابهة، خاصة وأن المسؤولية أصبحت جماعية ولم تعد مسؤولية فردية،‏

بمعنى أن كل أمة أو شعب يسأل عن أطفاله من خلال البيئة التي يعيشون فيها.‏

فما هذه البيئات التي لا تراعي حق الطفولة كما الكبار على الأقل في المأكل، والمشرب، والتعليم، والصحة، والأمن والأمان، الى آخر قائمة الحقوق هذه؟.. إن هذا له معنى واحداً هو أن حضارتنا المعاصرة أصبحت حضارة عرجاء تسير على قدم واحدة عندما تنظر الى البالغين ولا تنظر الى الصغار. وها هي دول بعينها أصبحت تشكو من تراجع الولادات وازدياد نسبة المسنين فيها.‏

لقد أصبح هؤلاء الصغار هامشيين وملحقين بعوالم الطيش والحروب، والاستغلال، وطغيان المصالح الكبرى للدول الكبرى بدلاً من أن يكونوا ثروة لمستقبل الإنسانية. ونتساءل: هل يفترّق الطفل الإفريقي الجائع مثلاً والمحروم في أهميته عن أي طفل في أي دولة متقدمة؟ وهل مسؤوليته تقع على أسرته فقط ممثلة بأمه وأبيه بالتحديد أم أنها مسؤولية دولته والإنسانية جمعاء؟ لننظر الى أطفال يولدون في اللحظة نفسها من أعراق وأجناس مختلفة فهل نراهم يفرّقون في شيء واحدهم عن الآخر؟ وأي أم يمكن أن تلتقط واحدا منهم هي أمه بحكم الفطرة والطبيعة. وإذا كان الذئبة كما تقول القصة الأسطورة قد أرضعت (روموس) (ورومولوس) فهل نترك أطفالنا يتلهفون لزجاجة حليب، او لكسرة خبز او هم منبوذون في العراء فريسة الجهل والمرض؟‏

إذن فنحن لا نطالب بقوانين وضعية، بل بالعودة الى الفطرة السليمة، والى النظرة الرؤوف الحكيمة التي لا تترك مجالاً ولو بنظرة خاطفة الى طفل جائع أو مروع، أو باكٍ لحاجة ما، بل علينا أن نكون جميعاً أمهات وآباء لكل طفل. وما بالنا باجتراح براءة الطفولة عندما يساقون الى العمل المجهد محرومين من طفولتهم؟ وماذا نقول عن عمالة الأطفال التي تجهد عقولهم قبل أبدانهم؟ لعل ذلك مأساة من مآسي العصر، أو هي ضريبة باهظة الثمن تدفعها البشرية مقابل تفوقها التكنولوجي ونهمها لاستنزاف موارد الكون.‏

وإذا كان حق الحياة ينسحب على كل ما ينبض بالحياة فإن لجناح الفراشة حقاً في أن يخفق، وللشجرة حقاً في أن تزدهر وتطرح الثمر، وللهواء حقاً في أن يكون نقياً، وكذلك البحار والجبال والسهول، وكل ما هو كائن. هذه حقائق نعيها ونعرفها جيداً ولكن الى أي مدى نسعى في تحقيقها؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية