تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دمج المعوقين.....بين القبول والرفض

مجتمع
الخميس 4-7-2013
مارلين سجيع فرحة

استحوذت مشكلة الإعاقة بشكل عام والإعاقة الحركية بشكل خاص على اهتمام العالم أجمع في الآونة الأخيرة باعتبارها مشكلة اجتماعية واقتصادية تستوجب مواجهة فعالة بسبب كثرة أعداد المعوقين حركياً في العالم, ولاعتبار إنساني يؤكد حقوق المعوقين، ولاعتبارات اقتصادية،

حيث يمكن الاستفادة من إمكاناته وقدراته إذا أحسن إعداده وتدريبه وتأهيله وأعيد دمجه في إطار الفعالية الاجتماعية والاقتصادية. والشخص المعاق هو الشخص الذي يختلف عما يسمى الشخص السليم أو العادي جسمياً أو عقلياً أو نفسياً أو حسياً, ويحتاج إلى عمليات تأهيلية خاصة حتى يحقق أقصى قدر من التوافق. ونظراً لهذه الاختلافات كانت النظرة مختلفة جداً إلى الشخص المعاق لأنه أقل من الشخص العادي أو السليم، وكان ينظر إلى هذه الفئة نظرة غير إنسانية وعلى الأخص المعوقين حركياً. لكن مع تطور الفكر الإنساني ظهرت العديد من الأبحاث التي طبقت على المعوقين حركياً وظهرت اتجاهات حديثة ومعاصرة تدعوا إلى الاهتمام بهذه الفئة، وظهرت برامج تربوية خاصة لتعليمهم لأنهم عنصر هام في المجتمع ولو أحسنا تعليمهم وتأهيلهم لأصبحوا كالأشخاص العاديين بل أفضل منهم, حيث يستطيعون العمل والمساهمة في تطوير المجتمع ورفع إنتاجيته، ولذلك فقد ظهرت اتجاهات حديثة تدعوا إلى ضرورة دمج هؤلاء المعوقين مع الأطفال العاديين في مدارسهم لما في ذلك من آثار ايجابية عليهم، تمكنهم من التكيف مع المجتمع بسهولة أكبر مما لو كانوا في مدارسهم الخاصة. وهذه العودة إلى الدمج كانت خطوة جريئة ومعاصرة لأنها تهتم بالمعاق من جميع النواحي. فالدمج هو تقديم كافة الخدمات والرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة في بيئة بعيدة عن العزل وهي بيئة الفصل الدراسي العادي بالمدرسة العادية، أو الفصل الدراسي الخاص بالمدرسة العادية أو في ما يسمى بغرف المصادر والتي تقدم خدماتها لذوي الاحتياجات الخاصة لبعض الوقت، ويتم دمج المعاقين إعاقة جزئية أو كلية بالمجتمع والمدرسة من خلال اتباع أسس نفسية واجتماعية محددة يتم مراعاتها من حيث درجة الإعاقة ونوعها وقدرات الفرد المعوق.‏

ويهدف الدمج إلى السماح للطلبة الذين يلتحقون بالمدرسة الخاصة ليكونوا مندمجين ضمن المدارس العادية ومساعدتهم في تطوير قدراتهم التعليمية وتمكين المدارس العادية من خلال التسهيلات والمساعدات من تنفيذ الدمج والتعامل مع المشكلات التي قد يعاني منها ما نسبته 15% إلى 20% من الطلاب في المدارس. والدمج ليس محاولة لدمج المعوقين في مدارس عادية فقط, بل محاولة لتغيير المدارس العادية وتشجيعها لتبني أساليب أكثر تطوراً وأكثر حساسية، وتمكينها من تقديم هذه الأساليب إلى الغالبية العظمى من الأطفال. ولا يفهم الدمج على أنه مجرد حضور الطلاب المعوقين في الصفوف، بل كمحاولة لمساعدتهم من أجل أن يتطوروا اجتماعياً وعقلياً وإحداث تغيير في تنظيم المدرسة والمناهج وطرائق التعليم. ولدمج المعوقين أنماط متعددة تختلف باختلاف مستوى الإعاقة وطبيعة تكوين الفرد المعوق, فهناك الدمج المكاني الذي تشترك من خلاله مؤسسة أو مدرسة التربية الخاصة مع مدارس التربية العامة في البناء المدرسي فقط، بينما تكون لكل مدرسة خططها الدراسية الخاصة وأساليب تدريس وهيئة تدريس خاصة بها. أما النوع الثاني فهو الدمج التربوي الفردي الأكاديمي أي اشتراك الطلبة المعوقين مع الطلاب العاديين في مدارس واحدة تشرف عليها الهيئة التعليمية ذاتها وضمن برنامج الدراسة الواحد., وقد تقتضي الحاجة وجود اختلاف في المناهج الدراسية المعتمدة فيكون الدمج إما جزئي أو كلي.‏

الاحتياجات الخاصة‏

ويتم دمج المعوقين بعدة طرق, فقد يتم الحاق الطفل ذي الاحتياجات الخاصة بفصول خاصة داخل المدرسة العادية مع اتاحة الفرصة أمامه للتعامل مع أقرانه العاديين بالمدرسة أطول فترة ممكنة من اليوم الدراسي، وتستخدم هذه الفصول الخاصة الأسلوب الذي يطلق عليه « فيزر ستون» أي اسلوب العزل, ويتم بوضع التلاميذ المعوقين في صفوف خاصة على أن لا يتراوح عدد الاطفال في كل فصل 25 تلميذاً. أما غرفة المصادر فهي عبارة عن غرفة صفية ملحقة بالمدرسة العادية مجهزة بأثاث مناسب وألعاب تربوية ووسائل تعليمية يلتحق بها الطالب من ذوي الاحتياجات الخاصة وفقاً لبرنامج يومي خاص حيث يتلقى المساعدة لبعض الوقت في بعض المهارات التي يعاني من ضعف فيها بإشراف معلم تربية خاصة ثم يعود إلى صفه العادي بقية اليوم المدرسي. وهناك أيضاً المعلم الاستشاري حيث يلتحق الطفل المعوق بالصف العادي وبإشراف المعلم العادي الذي يقوم بتعليمه مع أقرانه السليمين، ويتم تزويد المعلم بالمساعدات اللازمة عن طريق معلم استشاري مؤهل في هذا المجال، وهنا يتحمل معلم الصف العادي مسؤولية إعداد البرامج الخاصة بالطفل وتطبيقها أثناء ممارسته لعملية التعليم العادية في الصف.‏

إيجابيات‏

الدمج بين الايجابيات والسلبيات: وفي حديث مع الاختصاصية السلوكية الأستاذة تمارة القسام أوردت لنا أبرز الايجابيات والسلبيات التي تواجه دمج المعوقين في المدارس العادية فتقول: لاشك إن سياسة الدمج سوف يكون لها أثر كبير في تغيير نظرة الأسوياء واتجاهاتهم نحو المعوقين بل وتغيير نظرة واتجاهات المعوقين نحو الأسوياء. وقد تحيي هذه السياسة الأمل لدى كثير من الأسر الفقيرة في إعداد هؤلاء الأفراد لمشاركة في الحياة بأوسع معانيها، وبالتالي إحياء القدرة على مواجهة التحدي. فالدمج يقلل من الفروق الاجتماعية والنفسية بين الأطفال وذلك بسبب وجود ذوي الاحتياجات الخاصة مع الأطفال العاديين في مبنى واحد أو في فصل دراسي واحد، وذلك يساعد على زيادة التفاعل والاتصال ونمو العلاقات المتبادلة بين الاشخاص المعوقين والأسوياء, كما انه يساعدهم على تحقيق ذاتهم ويزيد من دافعيتهم نحو التعلم وتكوين علاقات اجتماعية مع الآخرين فيخلصه من الوصمة الاجتماعية، ويجعل الأطفال العاديين والمعلمين يتعرفون عليهم عن قرب والتعامل المباشر معهم، كما أنها تخفض الكلفة الاقتصادية التي تتطلبها التربية الخاصة في المؤسسات الخاصة. وتتابع فتقول: من الممكن أن يؤدي الدمج إلى زيادة البعد والرفض والفروق بين الاطفال المعوقين والعاديين في المدرسة وحرمانهم من الاهتمام الفردي الخاص الذي يحظى به كل فرد في مراكز التربية الخاصة، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى إثبات وتدعيم فكرة الفشل الذي قد يشعر بها المعوق فيؤثر على مستوى الدافعية للتعلم. ولعل أكثر سبب قد يعوق الدمج هي عدم توافر معلمين مؤهلين ومدربين جيداً في مجال التربية الخاصة في المدارس العادية والذي سيزيد الأمر تعقيداً بالنسبة للمعلم وكذلك سيؤثر سلباً على تحصيل التلاميذ وسيعمق الفجوة بين ذوي الاحتياجات الخاصة وبين الاطفال العاديين، وخاصة أن المدارس العادية تعتمد على النجاح الأكاديمي والعلامات كمعيار أساسي.‏

الدمج بين مؤيد ومعارض: ولهذا فقد ظهرت عدة اتجاهات بين مؤيد للدمج ومعارض له ومعتدل بين الاثنين, وتقول الاختصاصية في التربية وعلم النفس الاستاذة ديمة ميخائيل: هناك فئة تؤيد دمجهم لما في ذلك من أثر ايجابي في تعديل اتجاهات المجتمع والتخلص من العزلة لهؤلاء الاطفال والذي يسبب إلحاق وصمة العجز والقصور والاعاقة وغيرها من الصفات السلبية الذي يكون له أثر على الطفل ذاته وطموحه ودافعيته بشكل خاص وعلى الأسرة والمدرسة والمجتمع بشكل عام. بينما تعارض فئة أخرى خوفاً من عدم تقبل الاطفال العاديين لوجوده ونظرتهم له، ومدى تقبل أسر الاطفال السليمين لوجود طفل ذي احتياجات خاصة مع ابنائهم في الصف ذاته, وخوف اسرة الطفل المعوق مما قد يمر به من مشاعر الخوف والغضب والخجل من اعاقته, وكيف سيثبت نفسه أمام الآخرين، وقد يؤدي تأييده للدمج إلى الصدمة بواقع لا يعرف عنه شيء، وقد يعامله الاطفال العاديين بقوة أو بالابتعاد عنه والنفور منه بسبب اعاقته ما يؤدي إلى انعزاله وعدم الرغبة في الدراسة وبالتالي ينعكس ذلك على تحصيله الدراسي.‏

وتكمل حديثها قائلة: بينما وقف البعض على الحياد وكانوا من أصحاب الاعتدال، إذ إن هناك فئات ليس من السهل دمجها بل يفضل تقديم الخدمات الخاصة بها في مؤسسات مخصصة لهم، فهم يؤيدون دمج الاطفال ذوي الاعاقات البسيطة أو المتوسطة في المدارس العادية ويعارضون دمج الاطفال ذوي الاعاقات الشديدة جداً « الاعتمادية» ومتعددي الاعاقات.‏

صعوبات‏

صعوبات لابد من حلها: وتقول الاستاذة ديمة أنه على الرغم من الخدمات الصحية والاجتماعية التي تقدمها الدولة لذوي الاحتياجات الخاصة وسعيها إلى دمج هؤلاء بالمدارس العادية وإن قل عددها، إلا أن هذا الدمج مازال يواجه الكثير من المشكلات والصعوبات التي يجب العمل على حلها بما يتماشى مع مصالح الطفل، ومن أكثر هذه المشكلات انتشاراً هي عدم قدرة الاطفال المعوقين على الوصول إلى مدارسهم بأنفسهم بسبب اعاقتهم وبعد المدارس الدامجة عن منازلهم وكذلك رفض بعض المدارس العادية قبول بعض أنواع الإعاقات لعدم القدرة على التعامل معهم أو تحمل مسؤوليتهم، بالإضافة إلى المعاملة غير المرضية للأطفال المعوقين واهمالهم وتجاهلهم، وعدم جاهزية النظام التعليمي  لاستقبالهم من حيث التصميم والتخطيط للمدرسة وعدم توافر الوسائل الضرورية لهم والتسهيلات الاساسية داخل المدرسة، والأهم عدم توافر معرفة مهنية تخصصية كافية لدى المعلمين حول كيفية التعامل والتكييف مع ذوي الاحتياجات الخاصة.‏

وبذلك يؤكد المهتمون بسياسة الدمج على حق الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة والتعلم والعمل والاستمتاع بوقت الفراغ في بيئة تتضمن أقل قدر من القيود كلما أمكن ذلك, كي تزيد من حريتهم وتعلي من كرامتهم وثقتهم الشخصية. ويجب أن تتيح بيئاتهم الدعم الضروري لتحقيق أقصى درجة من النمو الشخصي والاتصال بالآخرين والتعبير عن الذات وإقامة العلاقات الاجتماعية داخل العمل أو المدرسة وخارجها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية