تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بـــإبداعهــــم.. كشــــف زيـــف مجتمعاتهــــم..!

ثقافة
الخميس 4-7-2013
 لميس علي

يُقال إن الروائي الأمريكي ج. د. سالنجر، و بعد أن كتب رائعته (الحارس في حقل الشوفان)اعتزل الحياة.. و ذهب ماضياً للعيش في الغابة..

و كأنما أفرغ عبر خطّه هذه الرواية كل ما تجمّع لديه من شعور بالقرف و الاشمئزاز من محيطٍ انتقده بعيني بطله (هولدن كولفيلد)الغاضب من زيف المجتمع الأمريكي.‏‏

سالنجر تخلص من مشاعر سلبية تلبّسته ممن حوله‏

.. بكتابة رواية.. و كما لو أنه بإبداعه الروائي هذا دخل مطهراً خلّصه من ثقلٍ تراكم داخله بفعل من هم حوله لا بفعله هو.‏‏

عبر (الحارس في حقل الشوفان) اُبتدئ نوعٌ من الكتابة عُرفت بكتابات الغاضبين.. و لعلّها كتابة كان أن أسس لها كتّاب آخرون جاؤوا قبل أو حتى بعد سالنجر.. و لو خفّت حدّة الغضب التي تميّز بها بطل سالنجر دون غيره من الأبطال الآخرين.. ذلك أنهم انحازوا أكثر نحو مناقشة موضوعات تميل (للاجتماعي).. غاصوا أكثر في سُبل إلقاء الضوء على مساوئ مجتمعاتهم عايشوها عن قرب.‏‏

و بالتالي.. لم يجمعهم الانتماء إلى خط سردي واحد (هو الرواية).. بمقدار ما جمعتهم جرأة انتقاد مجتمعهم.. و كما لو أن ميزة امتلاك حالة النشوة الإبداعية الروائية ليست أكثر من أداةٍ لكشف زيف مكان انتموا إليه.‏‏

شغلتهم الحالة.. فأصبحت هاجساً.. اشتغلوا لأجله امتلاءً منه.. فأفرغوا ما خزّنته الذاكرة و ما جمعته الخبرة الحياتية.. صبّوا جام نقدهم بغية الارتقاء و الإصلاح.‏‏

عن طريق التركيز على رذائل المحيطين به.. بشاعتهم.. وقتامة أفعالهم.. حاول سالنجر، في خمسينيات القرن الماضي، شق طريق التغيير الاجتماعي.. نجح بأن أصبح رمزاً لجيل الشباب الغاضب من كل ما هو قديم و جامد و زائف.. باحثين عمّا هو أكثر صدقاً و شفافية.‏‏

في محاولة فرز روائي، يبرز قبل سالنجر الروائي سنكلير لويس (1885م- 1951م)من خلال تقديمه عملين هما: (الشارع الرئيسي)الذي أوصله لجائزة نوبل.. و الآخر هو (إلمر غانتري - 1927م).‏‏

في (الشارع الرئيسي) أقترب من الدراسة الواقعية لسكان ضاحية.. تناول حياتهم و طرق تفكيرهم بالنقد. يعود العمل إلى عام 1912م، و يتحدث عن البطلة كارول كينيكوت المحبة للثقافة و التي تحب زوجها لدرجة تقبل أن تنتقل معه إلى مدينة صغيرة (ضاحية). حاولت تغيير الضاحية و تحويلها أقرب إلى مدينة حقيقية متميزة مبتدئة بمحاولة تغيير طرائق تفكير من هم حولها و عاداتهم.. فيرتابون منها.. تكتشف بعد فترة أن الحديث فيما يتعلق بالسياسة و العدالة في توزيع أرباح هو من المحرمات.‏‏

ربما أراد لويس وصول قارئه إلى حقيقة تتلخص بأن تحجّر فكر الناس بمثابة حاجز لا يمكن اختراقه و هو ما تنتهي إليه كارول (البطلة) التي تفشل بتغيير تفكير السكان.‏‏

في (إلمر غانتري) يصوّر ذهنية الناس الهشة من خلال انقيادهم وراء الخطاب الديماغوجي الذي يحاكي مشاعرهم لا عقولهم. و كان قال عنها النقاد الفرنسيون حين تُرجمت إلى اللغة الفرنسية عام 1932م: (إنها أوفى صورة تتوافر لنا حتى اليوم، عن المجتمع الأميركي وحياته... إنها صورة مرعبة ولكنها حقيقية).‏‏

تناقش الرواية موضوع استغلال الدين لأجل مآرب شخصية عبر شخصية (إلمر)و هو مجرد حكواتي نصاب يدور بين الحانات راوياً حكايات تثير الضحك، محتالاً على هذا من الزبائن أو ذاك لنيل رزقه. ولكن يكتشف في أحد الأيام أنه قادرٌ على التأثير بالناس عن طريق حديثه عن الذات الإلهية، ومنذ تلك اللحظة يشعر بأنه وجد طريقة لاكتساب الرزق، فيبدأ بالتجوال بين مكان وآخر مدعياً المعجزات محققاً الأرباح. يدخل دنيا المواعظ.. وتحقق موعظته نجاحاً غير متوقع.‏‏

وهكذا تسير الرواية في خطوط متعددة ومتشابكة وتتحول اللعبة كلها إلى لعبة استعراضية، ترسم صعود إلمر غانتري الذي لا يهمه سوى النجاح والكسب وتجريب قدراته الخطابية بين جمهور يزداد عدده باستمرار.. و هنا يكمن جوهر رواية سنكلير لويس الذي كان يستهدف تصوير ذهنية الناس وانقيادهم وراء الخطاب الديماغوجي الذي يدغدغ مشاعرهم. ولئن اختار هذا النوع من استغلال الخطاب الديني موضوعاً لروايته فلأنه كان سائداً في أميركا.‏‏

يتقاطع نتاج لويس و نتاج اثنين من الروائيين الأميركيين اللذين سلطا بأعمالهما الضوء على السلبي من مجتمعاتهما.. لكنهما كانا أكثر تخصيصاً.‏‏

كل من فرانسيس سكوت فيتزجيرالد و توم وولف يبدو أنهما أرادا تضييق دائرة بحثهما الروائي بأن جعلا معظم أعمالهما تدور حول مجتمع نيويورك.‏‏

فيتزجيرالد من خلال شخصياته تمكّن من رسم صورة النخبة النيويوركية و لامس الفراغ الأخلاقي لدى الأغنياء الأميركيين في العشرينيات من القرن الماضي.‏‏

في روايته (هذا الجانب من الفردوس) يتحدث عن عادات الجيل الأميركي الشاب بعد الحرب العالمية الأولى من خلال شخصية أموري بلاين.. و في رواية (الجميل و الملعون) يسرد قصة الشاب الثري أنتوني باتش.‏‏

رائعته (غاتسبي العظيم)تدور حول شاب يدعى غاتسبي يعيش بشكل مترف.. قيمة عمله هذا تتبدّى بالنقد المهم الذي وجّهه للبورجوازية النيويوركية و سطحيتها.‏‏

أما توم وولف فقام بفضح عوالم البورجوازية النيويوركية في عمله (محرقة الغرور أو محرقة الأباطيل).. و يلاحظ في (ميامي الدامية)أن شيئاً ما طرأ على المدينة بعد موجة المهاجرين الكوبيين القادمين إليها.. هؤلاء الذين ازدهرت تجارتهم قبالة زيادة تجارة المخدرات و البغاء.. في رواية (أنا شارلوت سايمونز)يعاين الحياة الطلابية في بلاده.. و يرى فيها توثيقاً للمجتمع المعاصر في أميركا.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية