تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قراءة في حدث .. بين نزعتي الهدم والبناء

آراء
الخميس 4-7-2013
 د. اسكندر لوقا

ليس صعبا على المرء أن يحطم شيئا بناه هو اوسواه في دقائق معدودات، إنما الصعوبة تكمن في قدرته على البناء، فالبناء مهما كان نوعه ومستواه، يتطلب اضعاف الجهد الذي يتطلبه الهدم.

وكما ان نزعة البناء لدى المرء تكمن في اعماقه كذلك تكمن في تلك الاعماق المجهولة نزعة الهدم والتحطيم، وطبيعي ان الفارق بين هاتين النزعتين كبير وكبير جدا كالمسافات التي تفصل الارض عن اقرب كوكب إليها.‏

ان هاتين النزعتين كباقي النزعات، تنمو او تضمحل اوتكمن ، بفضل الرعاية او الاستئصال مثلها في ذلك مثل النباتات والازاهير، تتعرض لمخاطر الاختناق بالشوك او تتألق كالبسمات على وجوه الاطفال والصبايا بفعل الاهمال اوالعناية.‏

وهكذا نزعة الشر في النفس البشرية، فان هي تركت نمت وترعرعت كالشوك في الحدائق يخنق نفسه وكل ماحوله.‏

ففي عملية الهدم، تأخذ نزعة الشر ابعادها، منفردة اومتضافرة، كذلك في عملية البناء الا ان هذه العملية، عملية البناء بحد ذاتها، تتطلب تضافر الجهود اكثر مما تتطلبها عملية الهدم، لانها بالتأكيد النزعة الاكثر سموا وارتقاء في السلم الحضاري للبشرية.‏

ان اي طفل يحمل بيده عود ثقاب يستطيع منفردا ان يحرق مئات اللوحات والاوتار والكلمات المطبوعة، الا ان هذه اللوحات والاوتار والكلمات لا تدخل حضارة اي عصر من العصور، الا بفعل تلاقي التجارب البشرية، وتلاقي الافكار وتلازم المشاعر بين الناس، في جيل محدد، او اجيال متجاورة.‏

وحول طبيعة هاتين النزعتين لا اعتقد اننا نختلف عندما نقول ان نزعة البناء، وهي نزعة جمالية، تجسد حس التقدم الحضاري، بينما النزعة الاخرى، نزعة الهدم تجسد حس التقهقر الحضاري، وسقوط العقل والعاطفة معا في حقل الشوك.‏

فيوم اصدر هتلر اوامره بحرق اعمال الفنان بيكاسو خلال الحرب، ويوم أمر نيرون بحرق روما، لم يكن عملهما عملا شجاعا أو حضارياً، ان عملا كهذا يتطلب جهد فرد او مجموعة لا يتطلب الشجاعة، انما الشجاعة الحقيقية، في حياة المرء،هي تلك الحالة التي يضع فيها لونا على لوحة او لحنا على وتر او حرفا في كتاب يكمل به عملا بدأه سواه، في مسيرة الحب والجمال والتقدم.‏

iskandarlouka@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية