قد تُصيبه غفلة بطيئة أو متقطّعة، ولكنه أبداً لن يكون الصرخة شبه المعطَّلة، ولو هُزِمَ في العمق، أو كُمَّ بعنف الرؤى المَنْسية في داخلنا.
رغبته تشفُّ عن جرسٍ غاضِب في وجه شراسة الصمت. أنفاسه دائماً قريبة من جرحٍ ما، ولو أنّه يمٌّ نَهِمٌ ذو لهفة مُزرَقّة لقرابين لذيذة.
شعرٌ لا يُرضيه إلا الرَجَفان الذي يزدردُ ما تبقَّى من أصابع. بزفيره المُنكّه بشهية البوح ينير قناديله. سمو دلالته يبرِّئه من كُسوفٍ قد يفتعلهُ، كنتيجة لخلط المآزق– الأسماء– كلّها مجتمعةً مع بعضها.
هو الماهر بلملمة الظِلال، وما بينها من ذكريات مالَتْ من النفي. لا يأنَفُ هذا الشعر أحياناً سرقة أشياء عزيزة منّا، هو السارق الظريف على أية حال. لكنه بما يحمله من نُوىً متفجّرة قد يُتلِفُ حصّة المخيلة من الضجَر.
ثمّة شعر نتلذذ به حتّى الرشفة الأخيرة، وآخر نمجُّه سريعاً، والشعر الذي نُحب لا يحتمل أي نوعٍ من الخيانة. لا تهمه كِياسة الطرح، بل يأنس أكثر بعُريّ اللفظة، وفَجاجتها، إذ لا نبالة في الشعر.
له مخلوقات خاصة تُوازي عالمنا، من حينٍ لحين نقفزُ إليها، ربما، لنخون..!
نحن دائماً مشغولون به، بفواصله اللعوب، وصوره المترنِّحة من الرغبة، غافلين عن مِحنة الهوس الأكيد.
مقصّاته أبداً جائعة لقفار مَشوية، بقبضته المرِنة يقبض على الظِّل الراقص فينا. شعرٌ يمَلّ الأشكال المَصفوفة، والرخويات العَالِقة في البرك. سماؤه لا تملّ كشط زرقتها، فيما النقر الدافئ على الدفوف يُقصي الحسّ البارد فينا.
قد يَغفو طيَّ مَكيدةٍ، في انهماكه في لملمة خرافة العيش، وكأنّه هَلاكٌ مُطفَأ إلى حين، إلى أن نفرّ به، ومعه، من الجغرافيا كلّها.
قد يُغرينا شعر بريّ، ماهرٌ باقتناص مخيّلة جامِحة، بشكِّه المتضخِّم، وسعيه لترويض نَزَق الصور.
كمْ تُغويه الوجوه المُلتصقة بالنوافذ التي تَثِق بالمطر!! غير عابئٍ بطعم الإسفلت الحارق للخوف. ماهرٌ باقتفاء الصوت حتى الثغور التي تتكهّن بولاداتٍ نيئة.
في هَذيانه الحاد، ينولد صوراً ممغنطة لها ذلك الإحساس الكاسح والسيّال، كلَّما زَفَرَتْ الهاوية سوادها في الوجوه.
هو شعرٌ، ناره أبداً هائمة بضبابٍ مُريب: يُرضينا.