تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فـــي غاليــــري مجمــــع بوليفـــــارد وصالــــــة الشــــــــــعب... غرائبية الأجواء الإفريقية

ثقافة
الأربعاء 4-7-2012
أديب مخزوم

شهدت مدينة دمشق معرض مختارات من الفن الإفريقي، الذي اقيم في غاليري مجمع بوليفارد، وصالة الشعب للفنون الجميلة، ورأينا فيه لوحات ومنحوتات تنتمي إلى محترفات افريقية عديدة (ولاسيما من الكونغو واثيوبيا والسنغال وتنزانيا...)

حيث عكست الاعمال المعروضة أساليب وخصوصيات واشارات وجماليات فن كل بلد على حدة، ولقد اخبرني السيد زكريا جبارة، منظم المعرض، انه يحضر لإقامة معرض للفن السوري الحديث في إفريقيا،في إطار تبادل الرؤى والخبرات والنتائج التقنية والفنية.‏

الشيء الذي يعمل على تفعيل اجواء الحوار الثقافي والتقني والجمالي، المفتوح على كل الحضارات والأزمنة. ويساهم في إيجاد حالات الدمج، ما بين تداعيات الماضي الحضاري، والمناخ التعبيري التلقائي والعفوي للرسم والنحت الحديث.‏

والفنون الافريقية التي عرفتها القارة السوداء خلال العقود الماضية، برزت في المعرض بطريقة تؤكد، في بحثها التشكيلي والتقني المقروء هنا، عنصر الحيوية والعفوية والطواعية, بحيث تستجيب للرؤى الجمالية والتعبيرية الحديثة والمعاصرة، وبالتالي تحقق عناصر التوازن ما بين جماليات البحث عن لوحة تحمل بصمات الانتماء الى ثقافة فنون القرن العشرين وفنون مطلع الألفية، والفنون القديمة المفتوحة على تراث انساني عريق اكتسبته القارة الافريقية خلال مئات السنين.‏

‏ اللون الافريقي‏

ونستطيع القول ان التجارب المعروضة في الرسم والنحت تعكس هواجس تخطي الصياغة التقليدية، وتؤكد خطوات البحث عن صياغات فنية، تتجاوز السطح وتحمل هموم البحث الموضوعي والتأليفي والذاتي في اللوحة والمنحوتة معا، من خلال استعراض مواضيع الوجوه والاشخاص ببشرتهم السوداء، التي لفحتها أشعة الشمس القوية، مع اتجاه آخر لإ ظهارالطبيعة والعناصر الريفية والاجواء الخيالية والغرائبية، في خطوات التعبير عن المشاعرالذاتية العميقة تجاه البيئة، التي ترعرع بين احضانها الفنان الافريقي.‏

هكذا يستعيد الفنان الافريقي حركة الاشكال والاشياء والاماكن والاشعاعات اللونية الحارقة، وبعبارة اخرى يعطي اللون الافريقي مداه الخاص، القادرعلى استشراف حقيقة العناصر والرموز والاشكال, التي يبحث عنها بشغف تلقائي يصل حدود الفطرية المقروءة، في الخطوط الارتجالية، التي تحفر في احيان كثيرة طبقات اللون الطري الموضوع بكثافة،على سطح اللوحة، اضافة الى بروز اللمسة العفوية والحركة العاطفية الذاتية في صياغة عناصراللوحة او المشهد المحسوس بالعين والقلب معاً.‏ دون الالتزام بطرق الرسم الواقعية والتقليدية، وضمن رؤى فنية تبسيطية ومختصرة،مع إضفاء عناصر زخرفية عفوية، تكسر في بعض اللوحات سكونية المساحات اللونية الواسعة, وتمنح اللوحة المزيد من التلقائية والإحساس الطفولي والفطري.‏

‏ وفي لوحات أخرى يبتعد الفنان الافريقي عن الكثافة اللونية، ويدخل في إطار اللون الشفاف، دامجا ما بين اشارات التاريخ الحضاري والاسطوري،ليصل في نهاية المطاف،الى اللوحة الحكاية المستمدة من مخزون ذاكرته الطفولية. والفنون البدائية، التي عرفتها الحضارة الافريقية القديمة، مع اتجاه آخر لإظهار الاقنعة وبعض الاشياء الاستعمالية.‏

هكذا تبرز حالات التداخل بين العناصر والاشكال، في خطوات إظهار خصوصية الفنون الافريقية، داخل المساحة المرسومة أو المتخيلة، الشيء الذي يفتح مساحات اللوحة على احتمالات تعبيرية متفاعلة مع الفنون العالمية الحديثة، بحيث تبدو الزخارف والعناصر الانسانية والحيوانية والطيور والبيوت الريفية التقليدية، متداخلة في أحيان كثيرة، مع التركيز لإظهار القدرة على التلاعب بالسطوح اللونية، من خلال استخدام العجينة،وعفوية التعبير التقني في المشهد المطروح أمام عين المشاهد، حيث تستخدم الألوان العفوية والتلقائية، بضربات متتابعة ومتجاورة ومتداخلة،ومشحونة بالأحاسيس وبالمشاعر الداخلية، وضمن صياغة فنية لها علاقة بالحرية التلوينية وبالإشراق الضوئي الافريقي.‏

بيكاسو استلهم معطياتها‏

ويشار ان الفنون الافريقية تركت اثرها الواضح على فنون القرن العشرين، وشكلت مدخلا لأهم انقلاب فني عرفه العصر الحديث، وأعني الانقلاب الذي حققه بابلو بيكاسو عام 1907 حين أنجز لوحته الشهيرة «فتيات افنيون» والتي استمد عناصرها التعبيرية من فنون النحت الافريقي (وخاصة الأقنعة) وكانت بمثابة الشرارة التي غيرت مجرى الفن الحديث في العالم أجمع، من خلال معطياتها الاكثر جرأة وانقلابية وعفوية وتلقائية وحداثة وثورية.‏‏

ومن أجل الوصول إلى خصوصية أسلوبية مميزة في الرسم والنحت الافريقي، رفض أصحاب التجارب المميزة المعروضة هنا الاتجاه التقليدي، الذي يسلب الفنان فرادته وشاعريته المتجددة، وتعاملوا مع مساحة اللوحة بروح البحث الاسلوبي والتقني،الذي يساهم في طرح الافكار الثقافية والفنية الجديدة والمعاصرة، والتي تصل في احيان كثيرة حدود التجريد الغنائي والهندسي.‏

هكذا بدت لوحات المعرض مشرعة على الأحاسيس وعلى مرايا الذاكرة أو على مناخ لوني أكثر شفافية وشاعرية وغنائية وانفتاحا على جغرافية المكان، وغرائبية الأجواء الافريقية، وأصبحت الحركات الخطية واللونية الانفعالية، مجرد وسيلة لتحريف الأشكال الإنسانية والحيوانية والنباتية، في خطوات الابتعاد عن الصياغة التسجيلية، ولهذا رأينا التحوير والتلخيص والاختزال والابتعاد عن الصورية الواقعية الجاهزة، بهدف إقامة علاقة مزدوجة بين الأشكال الإنسانية المحورية، والخلفيات اللونية التجريدية، مع التركيز لإ براز الإضاءات القوية داخل المساحات المعتمة،وإظهار الحركات الخطية الالتفافية والحلزونية والانسيابية في لوحات اخرى.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية