تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كلمة السر المؤجلة

منوعات
الأربعاء 4-7-2012
سهيل إبراهيم

سلام على وطن الأحلام، والأماني البيضاء التي زرعناها على طرقه، وطيرناها في فضائه، منذ شممنا أول مرة رائحة التراب، وتنفسنا عليل الهواء، وهامت أرواحنا فوق سهوله

وجباله، في مدنه الصاخبة وقراه الوادعة، ومنذ رسمنا أولى خطوات العمر على راحتيه، وقرأنا أبجديتنا الأولى في كتابه، وصنعنا أقدارنتا في حره وبرده، وهو يمسك بأيدينا درجة درجة على سلم الحياة حتى طالت قاماتنا في حره وبرده، وهو يمسك بأيدينا درجة درجة على سلم الحياة حتى طالت قاماتنا ونضجت عقولنا، فجربنا على صدره نجاحنا وفشلنا، قوتنا وضعفنا، جنوننا واتزاننا، قصص الحب الملونة كشلالات الفجر الأزرق، وحكايات الحرمان التي تطبق ذكرياتها المرة على قفص الصدر إلى آخر العمر.‏

وطن الآباء والأجداد التي ورثناه مستقلاً وآمناً ومستقراً،ينهض من ركام الانتداب والوصاية حراً بعزيمة رجاله، مشدوداً إلى المستقبل بطموح الثائرين الذين أكملوا المهمة، فطهروا ترابهم من الغزاة، ثم أكملوا الوضوء بمياه ينابيعهم وأنهارهم، واستووا على سجادة الصبح لأداء الصلاة، قبل أن يشمروا على سواعدهم، ليضعوا حجر الأساس لبناء الوطن الحر المستقل.‏

سلام على هذا الوطن الذي ورثناه مضمخاً بدماء الآباء والأجداد، الذين حرروه من أسره، ثم تنادينا اليوم على ثراه كي نسلمه لأسر جديد، فقدمنا العروض السخية لمستعمري الأمس، ليلبسوا ثياب مخلصي اليوم، إشباعاً لغريزة الانتقام فينا، حتى ولو سقطت حجارة الهيكل على رؤوس الجميع، سلام على هذا الوطن الذي ينزف بين أيدينا منذ خمسة عشرة شهراً، وحين نتلفت كي نبصر موقع الطعنات في صدره نجد أيدينا على النصال، ونجد دمائنا تكتب على التراب قصة هذا الجنون المباغت الذي عصف برؤوسنا من كل الجهات، وحرضنا على موت يستدرج موتاً، وفجيعة يترتب عليها فواجع وخراب لا يجر غير الخراب، وسلام على هذا الوطن الذي احتشد نصف الكون على حدوده الجغرافية والسياسية والوطنية، كي يجبره على الركوع، هو الذي لم يتعود إلا على رفعة الرأس، وتدوين ملاحم الصمود في صفحات التاريخ، وهو الذي انتظر الطلقة من حدوده الجنوبية، فجائته من تحت أجنحته وعلى مقربة من قلبه في مشهد مأساوي لم يكن يوماً يحسب له حساباً!‏

سلام على السوريين، كل السوريين المحشورين في هذا المشهد الدرامي، من الأطفال الذين انتهكت براءاتهم، إلى الشيوخ الذين ضيعوا ذاكرتهم وسط هذه الدوامة من الغبار، فقرروا أن يسندوا رؤوسهم على صخور آلامهم ويستعجلوا الموت قبل أوانه، إلى الشباب والفتيان الذين تدرب بعضهم على لعبة الموت فحمل سلاحاً وخرج ليقتل أي أحد، وحتى لو أصاب رحماً له، وأرداه دون أن يفيق على ما اقترفت يداه، وسط هذا الجحيم من الطيش والعمى، إلى الذين وفروا شبابهم وعزيمتهم لامتحان استرداد الوطن من نفق الاغتيال، وأيقنوا أن لا شيء يستحق كل هذا الموت وكل هذه الدماء، لا الحرية ولانظرياتها شرقاً وغرباً، ولا الثورات ولا جنوحها المحفوف بمخاطر ذبح الوطن من وريده، لا الحكم لا كراسيه العالية التي يصعد إليها الموتورون على تلة من الجماجم، لا شيء يستحق أن نهدم جدراننا بأيدينا، ونحرق أشجارنا بأيدينا، وندمر وطناً لا يليق به سوى أعالي البناء، فمن يلجم هذه الاندفاعة الضالة التي يقودها الجنون، ويرسل خيولها ونحن على ظهورها إلى الهاوية، ومن يستفيق من هذه الغقلة ويصغي لكلمة السر التي تأتلف حولها القلوب، وتتشابك حولها الأيدي، لتحقن هذه الدماء، ومن يستعجل الوقت ويجلس على الطاولة ليقول للآخر، هذا الوطن لي ولك، فهيا نقتسم مسؤولياتنا في بنائه، ونعيد إلى ربوعه السلام!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية