ألفريد جيلينك:انها أبرز أدباء أوروبا الأحياء ممن أثارت كتاباتهم الدهشة والاعجاب معا، كذلك الأمر بالنسبة لمواقفها حين رفضت التوجه الى استوكهولم لتسلم جائزة نوبل وأرسلت فقط تسجيلا كاملا بصوتها ترافق بعرض صورتها على شاشات التلفزة وهي تقرأ نص رائعتها «على الحياد».
ولدت ألفريد جلينك عام 1946 في النمسا ودرست المسرح وتاريخ الفن واستتقطبت اهتمام النقاد يوم صدرت روايتها «العشاق» عام 1980ثم رائعتها «عازفة البيانو» التي أثارت ضجة وانتقلت الى الشاشة الفضية وحققت نجاحا كبيرا وحضورا واسعا في صالات السينما.
بدأت الأديبة منذ سبع سنوات نشر أعمالها على موقعها الالكتروني لتستفيد من الثورة الرقمية كما تقول ولتنشر أعمالها النثرية التي لم يعد لها وجود الا على موقعها حيث تقدم الخدمات مجانا لمن يطلبها وأحيانا تحجب أعمالها عن موقعها ثم تظهرها للجمهور عندما تشاء وتحترف جيلنك في روائعها اللعب باللغة الأدبية لابل تنحت مفرداتها من الموروث الشعبي النمساوي ولأنها درست الموسيقا فهي تعتمد ادخال الايقاعات الموسيقية الى تعابيرها.
تقول ألفريد:على الموقع أستطيع الكتابة من منزلي وكأني أسجل مذكراتي أو يومياتي لتغدو تلك التسجيلات وكأنها عرض موسيقي أستطيع تنظيمه كيفما أريد، ثم انه بامكان أي قارئ الاتصال بي لأقدم له صفحات من أعمالي دون مقابل شرط أن يتحدث الي.
وهنا يبرز السؤال التالي: اذا لماذا تستمر ألفريد بنشر مسرحياتها على شكل كتب ؟
تجيب الكاتبة النمساوية: طالما أنه يتم اخراج المسرحيات وتقديمها على خشبات المسرح فهذا يعني أن تلك المسرحيات أصبحت ملكا للجمهور لذلك ما ان يتم طباعة تلك المسرحيات حتى يتسع فضاؤها الشعبي.
وفي النمسا مسقط رأس هذه الدراماتورجية المتعددة المواهب يتم تقديم أحدث مسرحياتها اليوم «شتائيات» على خشبة أكاديمية فيينا منذ شهر نيسان حيث ينفذ ديكور خاص بهذا العمل يتمثل بسفح جبل ثلجي مائل بزاوية قدرها 45 درجة وهناك تسعى مجموعة أشخاص تسلق هذا السفح المتجمد واذ تندب الكاتبة هروب الزمن ونهاية العالم القريبة سرعان ما تنحدر من أعلى الجبل مجموعة من المتزلجين الغوغائيين الذين يأخدون كل مايعترض طريقهم ويرمونه جانبا.
انتشرت تلك المسرحية العام الماضي في النمسا لتفتتح مايسمى مرحلة «جلينيك لما بعد الدراما» على غرار أدب ما بعد الحداثة وتضمن تلك الأعمال التي باتت تشكل تيارا أدبيا كتابات دون شخصيات يغيب منها الحوار كما تجمع بين الأدب والموسيقا لتغدو تقسيمات ايقاعية مكتوبة بلغة شعرية تقتبس من قصائد ويهلم موللر (1823) في ديوان «سفر الشتاء» والنصوص عبارة عن قصائد أخرجها موسيقيا فرانتز شوبير عام 1828 لتتحول عند جيلينك الى مسرحية مأساوية حزينة وكأنها كتبت بدم مجمد في العيون.
وكانت جيلينك قد ألفت عدة أعمال درامية لحنها موسيقيون كبار أمثال: هانس نيرنرهانز و أولغا نوميرث على غرار مسرحية تروي مأساة ناتاشا كومبوش التي رميت داخل قبو عفن لمدة ثمان سنوات وأصبحت قصتها فضحية.
تخاطب مسرحية جيلينك التي تناولت فضيحة ناتاشا الزيزفون الذي لم يعد يمتد على الطريق المؤدية الى القبو حيث يرمى كل مهمش في الغرب الرأسمالي سواء كان فقيراً أم متسولا أو عجوزا أو ضحية مجتمع استهلاكي مريض.
ولا تبتعد مسرحيات جيلينك عن موسيقا شوبير وألحانه التي تتجه الى الفراغ والعدم فهي تعشق هؤلاء المهمشين الخارجين على المجتمع والذين لفظتهم حباة الترف والاستهتار بيدها الثالثة: يد الموت لأنهم لم يصمدوا في وجه العاصفة وهنا تدخل الفريد جيلينك عالم الفنون الكلاسيكية من بوابتها العريضة لابداعاتها وفلسفتها حول الموت المتربص بالاحياء.