(صندوق يجمع مستلزمات الستات، من إبر وخيطان وأزرار ومناديل وشالات.. والصندوق الثاني للعطر والعلك والحلويات والتين اليابس... وينبه: لا تأكلوا التين من دون الطحينة.. فبها يكتمل النفع ويحسن حال الرفع بدل الخفض والجر.. ومري ياليالي الحزن مري) ويكتفى صوته بالمطالع وإيقاظ المسامع والتوقف دون بلوغ تحريض المدامع.
في السنة القريبة من حبه الجديد تشلع الصندوق حامل الحاجات وراحت يداه المتينتان تدقانه بالمسامير، والإضافات الترقيعية.
قالت له الحبيبة: من أولها بدأنا بالدق والنق والمسامير والترقيع؟!
لا بد من بعض الـ (دقدقة) ومسمار هنا ومسمار هنالك ماذا يضر صندوق يحوي الأغراض ويحمي الحاجات ويفرح الفتيات.
فتيات وبنات وستات؟
انس يا حبيب القلب هذه الكلمات!
قلتها كلمة على الماشي لكن الصندوق يا بنت الناس وطن صغير للإحساس والأساس.. نخبئ فيه ذكريات القمصان وتعقيدات الخيطات والروائح والسوانح والصالح والطالح...
لو أعفيت أذني من كلمة طالح... لماذا تخلط الجيد بالسيئ مثل صاحب مطعم الكراج، الذي يضيف الفليفلة الحارة إلى الأطعمة جميعها... وكأننا نحتاج طعماً حاداً، حتى نتذوق بقية الأطعمة؟
أنت قلت المعنى والشرح، لا مفر من طعم المصاعب والرغائب والمسرات والمتاعب.. الطريق معبدة بالسرور والشرور... والأعمار هكذا فيها النزلات والطلعات..
حدثتني كثيراً عن الصندوق الوطن الصغير حامل أعباء الحاجات ونسيت أن تقول لي كلمة عشق أو موال عشاق.. يعني ما بيطلع معك حكي حب؟
حكي الحاجات سرقني من حكي الهمسات والغرام يا كريمة يا بنت الكرام..
وقبل فلاته من يدي أشواقه أطل عليه برق وأطلت غيمات عاليات.. فسارع إلى الصندوقين الخشبيين المحزونيين والحصان الصغير الجائع:
- ألقاك بعد المطر.
- أعطيتني الكلام ونسيت أن تهديني العطر؟!
المطر العالي وصل إلى صندوق الرجل وبلّله، فتحالف البلل مع رائحة العطر وخرجا.. القطر والعطر بمشوار إلى أنفاس الحبيبة وشباكها:
- كأنك أرسلت لي مع المطر عطراً يا حبيب الروح؟
- عطرك في الصندوق تذكرني.. ويتذكر معك العقد الذي أهديتك إياه كعربون حب أول..
- الحبيبة وراء الشباك المبلل بالمطر وصوت الحبيب وعطر الشوق.. والحصان الصغير سار باتجاه أقرب حافة وبيت:
- أنت هنا يا بن الأحمد تدق المسامير بالكراسي وتجمع القش إلى الواجهات والقوائم؟
- وأنت والصندوق والأحاديث الدائرة والسائرة بين لسان ولسان وعاشق وعاشقة ورجال وحسان.
- الصندوق وطن صغير لحاجاتنا وأيامنا.
- والكراسي ذاكرات صغيرة لمؤخرات الجالسين.. ربط أبو حياة الحصان وصعد إلى حيث الجار العتيق، جلس قبالة المطر والبرق ونسي مؤخرته فلدغته المسامير التي يخطئ ابن الأحمد في دقها فيجعلها معكوسة فتلامس الأقفية كملامسة الصدى لنهايات الحكايات والنداءات والأغنيات.
لا تعرف إلى اليوم كيف تهندس القش مع المسمار وأنت العارف بالأمور؟
- أعرف أو لا أعرف... الأحزان الكبيرة أتعبت القلوب والدروب و....
- المطر الجيد يغسل الزمن من أزمات الغبار يابن الأبرار وصاحب الأسرار والمخطئ في حجب رأس المسمار عن مؤخرة الصديق والجار.
- عملتها قصيدة؟
- أفرحنا الهطل الحنون بعد الكثير من الويلات.
- وقبل المطر كنت ترفع صوتك بـ (مري ياليالي الحزن مري).
وكانت بنت الكرام تراقب صوتك وتنتظر عطرك.
- بللت القطرات الصندوق فطار العطر إلى الأنفاس والنظرات وكأن العشق في هذا الوطن متحالف مع الغيمات ينتظرها على مر اللحظات والأزمات ولا تنس يا صاحب الصندوقين والذكريات أن تعطي فخامتنا الخيطان والإبر والشالات... كأنك وعدت نفسك بالشوق وتحسين أوصاف الذوق.
- فقط أنت من يحق له الحب والحديث العذب؟
- مطر الأحباب أحباب والدروب آن لها أن تتفاصح مع خطوات الحبيبات.. امتلأت الصناديق بالجروح والقروح، وضاقت بأحزانها الروح.
وأنت أيها المطر العالي سيد البوح..
ولا بد من ملء كل صندوق بالآمال قبل السعال والأشغال، الأمل الطيب كالمطر يكنس من حواكير النفوس صدأ الأسى والنحوس.