حيث الاعتداءات الأكثر دموية وسقوط ما ينوف عن المليون عراقي في أعمال العنف فضلاً عن المشردين والثكالى والمهجرين إلى الدول المجاورة بحثاً عن الأمن والمأوى وتزايد الكم الهائل في أعداد الأرامل والأيتام ودخول الأطفال سوق النخاسة ما يشكل عبئاً جديداً على المجتمع العراقي بصورة عامة.
وفي دراسة لمركز استطلاعات الرأي (أوبنيون ريسيرش بيزنس) البريطاني تم الكشف عن أن خمس الأسر العراقية فقدت واحداً على الأقل من أفرادها بين آذار 2003 وآب 2007 مؤكداً ما قاله صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) بأن ما يقدر بنحو مليوني طفل عراقي يواجهون أخطاراً شديدة تتمثل في سوء التغذية والأمراض وعدم توافر المدارس ونحو 25 ألفاً آخرين أجبروا على الخروج من منازلهم كل شهر بسبب أعمال العنف المذكورة والترهيب. ويذكر التقرير أن ما سبق جزء لا يتجزأ من صور (الديمقراطية) التي جاءت واشنطن لنشرها في المنطقة وخاصة العراق ليتأكد للعالم أجمع أن حرمان هذا الشعب من الاستقرار وإغراقه في مستنقع الدم تجسيداً لانتهاكات حقوق الإنسان في العيش بكرامة ويكشف في طياته وبشكل صارخ ازدواجية المعايير والنفاق الأميركي الفاضح وادعاءات المسؤولين في أروقة البيت الأبيض الحرص على حقوق المواطن العربي الذي رأينا أمثلة عنه في سجن أبو غريب وغيرها من السجون الأميركية التي زُجّت فيها أعداد كبيرة من العراقيين غير آبهة بالحقوق التي تتبجح بها بالإضافة إلى القصف العشوائي للمناطق السكانية الآمنة تحت مزاعم مختلفة وما كشفت عنه التقارير الإخبارية التي نشرت في صحف أميركية مرموقة عن ترحيل الكثير من المشتبه بهم في قضايا الإرهاب إلى دول تمارس التعذيب خير دليل على ما نقول, ليأتي معتقل غوانتانامو وجبال تورا بورا ليشكلا أيضاً مادة خصبة لمنظمات حقوق الإنسان العالمية كشاهد يومي على انتهاكات الإدارة الأميركية لحقوق المعتقلين الذين جردوا من حقوقهم القانونية وعرضوا لضغوط هائلة تمثلت في امتهان الكرامة.
لقد خلق التحالف بقيادة الولايات المتحدة أثناء غزو العراق فراغاً قانونياً يسمح للشركات الأمنية المرتزقة في هذا البلد الجريح بارتكاب الانتهاكات الجسيمة دون خوف من عقاب وأكبر شاهد على الجرائم المرتكبة من قبل هذه الشركات مقتل 17 مدنياً عراقياً على يد عاملين بالشركة الأمنية بلاك ووتر وما تلاه من أعمال قتل قد جذب انتباه المجتمع الدولي إلى غياب المحاسبة على الجرائم المرتكبة من قبل الشركات المذكورة العاملة في هذا المجال.
إذاً ذهبت الولايات المتحدة إلى الحرب وبرفقتها بريطانيا منذ البداية متجاهلين تماماً للشرعية الدولية ولمعارضة الغالبية العظمى من دول العالم الرافضة للحرب تخوفاً من هكذا هيمنة وهكذا ممارسات تسيطر من خلالها واشنطن على مقدرات العالم بالتوازي مع إحساس عارم أخذ يسود بين ما يزيد على مليار من البشر في العالم الإسلامي بأن مجتمعاتهم وثقافتهم ودينهم مستهدفة من القوة الأعظم حتى وإن اعتذر الرئيس بوش عن وصفه يوماً ما لتلك الحرب بأنها حرب صليبية.
إن نجحت فيه قوات الاحتلال الأميركي الجريحة المنظمة التي يتحصن مقترفوها خلف ضمانات صماء يتخيلونها لأنفسهم يتعارض مع ميثاق محكمة الجنايات الدولية وشرعية حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وهي بالنتيجة ضمانات يلوذ بها القتلة الأميركيون للنجاة من أي مساءلة قانونية دولية كونهم يسيطرون على المنظمة الدولية ومؤسساتها التي يحق لها السؤال أو المساءلة.