أم إلى استباحة الوقت لشن مزيد من المغامرات العسكرية سواء المحدودة أم الواسعة ولاسيما مع تكرار ما قاله الرئيس الأميركي جورج بوش في وقت سابق وبصراحة من أن شن الحرب على إيران سيكون بداية لحرب عالمية ثالثة, وما تلا ذلك وإلى اليوم من تصريحات وتلويحات أميركية بشأن اللجوء إلى الخيار العسكري مع إيران ولاسيما من جانب نائب الرئيس ديك تشيني الذي يعد المحرك الأساسي لخيار شن الحرب داخل الإدارة الأميركية.
فعلى الرغم من أن هذه الإدارة الأميركية تعلم علم اليقين حجم الكارثة التي ستلحق ليس بالمنطقة بل في العالم جراء أي مغامرة عسكرية ترتكبها في المنطقة وما يتهدد المصالح العالمية الحيوية لقوى اقليمية ودولية مرتبطة مصالحها ارتباطاً مباشراً بأمن واستقرار المنطقة العربية إلا أن إدارة بوش ما زالت إلى اليوم تتكلم وكأنها في بداية عمرها الرئاسي لأميركا أو كأن مثل تلك الحرب التي تتحدث عنها تسيطر عليها كما يحلو لها وبيدها وحدها مفاتيح إشعالها وإطفائها على النحو الذي تريده وترضاه.
قد يكون الرئيس بوش محقاً فيما قاله إن أي حرب مع إيران هي بداية لحرب عالمية ثالثة إذ إن مثل هذه الحرب بتداعياتها ستؤدي حتماً إلى انفجار صراع دولي على مستوى القوى العظمى خاصة من جانب تلك التي بدأت تضيق ذرعاً بسياسات الهيمنة والاستفراد الأميركي بالقرار الدولي وإذا كان الأمر يترتب حقاً بلجوء إدارة بوش إلى ذاك الخيار الخطير فإن قوى دولية كبرى ترى أو تتمنى من ألا يخرج ذاك الموقف الأميركي عن باب التهويل من خطورة الموقف مع إيران أو مع غيرها لباب تهيئة الرأي العام الأميركي المفلس من سياسة بوش وفي ظل تدني مستوى شعبيته إلى الحضيض هذه الأيام. إن إدارة أميركية كإدارة الرئيس بوش التي لم يبق لها سوى بضعة أشهر يحتار المنطق على أي قرار سيحكمه عليها في ظل المعطيات التي تتبناها هذه الإدارة لجهة عدم العودة إلى العقل والحكمة أم لجهة الاستمرار في غيها وجبروتها وتمسكها بدوافع المزيد من الفوضى المدمرة لشعوب العالم وهي هذه الإدارة التي ما زالت تحركها نوازع غير عقلانية وغير منطقية وإنما كما هو ثابت تحركها بواعث لاهوتية ايديولوجية تتعلق أولاً وأخيراً بحماية (إسرائيل) وضمان تفوقها على العرب والتحرك لصد أي تهديد محتمل لأنها وهذا ما يحصل بالضبط ضد إيران بامتلاكها مشروعاً نووياً حتى ولو كان سلمياً.
كما أن إدارة بوش رغم المدة الزمنية القصيرة المتبقية لها في البيت الأبيض إلا أنها ما زالت تبحث لها عن مكاسب عبر تحالفها مع اللوبي الأميركي الخاص بالمجمع الصناعي العسكري الذي يحرض بدوره هذه الإدارة وغيرها على شنها المزيد من الحروب في الخارج لضمان ازدهار مصالحه في تغذية الصناعات العسكرية الأميركية وهذا ما يتم واضحاً وجلياً من خلال تحالف إدارة بوش - تشيني مع أقطاب تلك الصناعة ومع أقطاب صناعة النفط والغاز في الولايات ورغبتهما المشتركة في الهيمنة على نفط بحر العرب وإيران بما يضعف في أحد نتائجه القوة الروسية المتنامية وبالتالي بقاء سوق النفط العالمية تحت هيمنة الغرب الأميركي.
إن (إسرائيل) ما زالت تشحذ الهمم الأميركية بشأن عدم تراجع إدارة بوش عن مخططها في ضرب إيران ومهاجمتها خلال المدة المتبقية لهذه الإدارة حتى إن (إسرائيل) تحاول التلويح لتلك الإدارة بأنها على استعداد للقيام بمثل هذه المهمة لوحدها وذلك من باب الضغط على إدارة بوش ووضعها في موقف حرج للغاية إذ إن (إسرائيل) تدرك تماماً عجزها عن القيام بمثل هذه المغامرة لوحدها وهي التي لقيت شر هزيمة في صيف عام 2006 أمام مقاومة حزب الله في جنوب لبنان وهي الهزيمة التي أقرت بها لجنة فينوغراد الإسرائيلية بكل وضوح قبل أيام, لكن رغم ذلك فإن إسرائيل ما زالت تراهن على الخيار العسكري الأميركي وعدم جدوى الخيار الدبلوماسي مع طهران وهي على قناعة كما يقول مسؤولوها إن الخيار الدبلوماسي ما هو إلا ذر الرماد في العيون ومن أجل تسويغ قرار الحرب الذي يجب على إدارة بوش اتخاذه ويبدو أن هذا القرار قد تبنته إدارة بوش التي انحازت في الآونة الأخيرة إلى فريق ديك تشيني فريق الحرب ضد إيران في مواجهة الفريق الذي يضم وزيرة الخارجية رايس ووزير الدفاع روبرت غيتس اللذين يعارضانها حتى إن (إسرائيل) ذهبت إلى حد تسريب أخبار ملفقة عن احتمالات قرب استقالة الوزيرين رايس وغيتس كونهما لا يتحملان المسؤولية عن قرار حرب جديدة ضد إيران أضف إلى ذلك ما كتبه الصحفي الأميركي العتيد المقرب من وكالة الاستخبارات (سيمورهيرش) في مجلة النيويوركر مؤخراً من أن الأمر اليوم أشبه بخريف عام 2002 أي الأشهر التي سبقت غزو العراق, لكن على الطرف الآخر ما زال هناك تحذيرات أميركية من عدم قدرة بوش على شن الحرب ويقودها كبار قادة الجيش الأميركي الذين يعارضونها تماماً ويخشون أن تلحق مهانة جديدة بالجيش الأميركي كما حدث له في العراق, وإذا ما تعاظمت مشاعر الرفض بين كبار الجنرالات الأميركيين ما يشكل حالة تمرد داخل الجيش الأميركي فإن ذلك قد يقلب المعادلة وهذا بدوره يحتاج لتحرك دولي فاعل من أجل بلورة تكتل عالمي مناهض لمثل تلك الحرب المدمرة التي لا يستبعد أن تستخدم الإدارة الأميركية المهزومة قنابل نووية على الطريقة اليابانية.
إن مجانين الحرب في الإدارة الأميركية هم البلاء بعينه ليس على الولايات المتحدة وحسب بل وعلى العالم أجمع الذي دفع وما زال يدفع وسيدفع الاثمان الباهظة لعقائدهم العدوانية المسمومة, وهذا وحده كاف لتدافع وتلاقي القوى الدولية على الوقوف في وجه ذاك الاندفاع الجنوني لفريق بوش تشيني وعدم الاستسلام لإرادة حفنة من أعداء الحضارة الإنسانية الذين تدفع بهم وتحرضهم حفنة من المحافظين المتصهينين واللوبي الصهيوني.
إن إدارة الرئيس بوش لم تعد تمتلك أي مصداقية في طروحاتها وتسويغاتها لشنها المزيد من الحروب والعدوان وكما أن فشلها في العراق أضعف مواقفها داخل أميركا وخارجها فإن هناك فرصة عالمية سانحة اليوم لمحاصرة صقور الحرب والنجاح في محاصرة دعاتها في إدارة بوش وخارجها في (إسرائيل) بما يساعد ويعمل على قطع الطريق أمامهم كي يجنبوا العالم كارثة عالمية حقيقية جديدة لن يستطيع أحد التنبؤ بتقديراتها وخسائرها ومثل هذا النجاح لو تحقق سيكون بالتأكيد انتصاراً للحضارة الإنسانية ومستقبل السلام العالمي.