وهل ستنفخ فيهم ريح الأمل والشرعية? أي باختصار استنهاض المنطق الإثني للسياسة, والتي اعتقدت أوروبا الغربية أنها تمكنت من حبسه والإقفال عليه ضمن خزانة بقفل الماضي بعدما فرغت من تمتين دعائم البيت الأوروبي.
وأكدت كل من بروكسل وباريس كما برلين ولندن عدم قناعتها بعودة هذه الإثنية,وقد أكد مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي أن (تسوية مسألة كوسوفو تشكل حالة من نوع خاص, لن ينشأ عنها أي سابقة) وليس وارداً الانقياد رسمياً إلى مقاربة الرؤية الصربية والروسية, حيث أكدتا أن الوضع القائم في كوسوفو سوف يفلت لولب الانفصالية من مركزه.
ومع ذلك فإن هاجس أثر (الدومينو) يدفع الآن عدداً من الدول إلى العمل على التخفيف من ألوان فرح انبثاق الدولة المستقلة كوسوفو.
وأول حجار الدومينو طبعاً هو الشعب البلقاني الذي يشعر بأنه معني مباشرة بالتبعات الكامنة وراء ذلك الحدث والذي ضرب بمبدأ عدم جواز المس بالحدود تحت اسم حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها, ونبدأ من مقدونيا حيث الأقلية الألبانية فيها تعيش على تخوم كوسوفو وألبانيا ثم البوسنة وفيها الجيب الصربي, غير مستبعد أن يطالب بضمه إلى صربيا الأم أو المطالبة بالاستقلال كما طالب بها سابقاً حزب رادفان كرادزتيش وهذا دون التطرق إلى الجزء الشمالي من كوسوفو والذي يمكن أن يطالب بالانفصال كونه ضمن أغلبية كوسوفية وكذلك منطقة الصرب في ميتروفيتشا.
ويقرع باسكال بونيفاس مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والاستراتيجية جرس الإنذار قائلاً (لاشيء مضمون ولكن مخاطر الامتداد الاثني موجود) ولايخفي دهشته كيف أن (الناتو والاتحاد الأوروبي قبلوا الضرر بسلامة الأراضي الصربية وكانوا سابقاً قد تعهدوا بالحفاظ عليها).
ويساور رومانيا القلق من صحوة ممكنة للأقلية الهنغارية لديها ولذلك عارضت بوخارست الاعتراف باستقلال كوسوفو, حتى ولو كانت ستشارك ببعثة الاتحاد الأوروبي إلى الدولة البلقانية الفتية, وتلقي بظلالها السوداء مسألة اختيار المستقبل الخاص بالأقلية الانفصالية الروسية في منطقة ترانسينستري في جمهورية مولدافيا المتاخمة لرومانيا , وما دعوة الرئيس الروماني باسيسكو الأحزاب إلى عقد اجتماع حول هذا المضوع بدعوة من بيلاماركو زعيم الاتحاد الديمقراطي للماغيار والذي دعا إلى الاعتراف بكوسوفو سوى مؤشر على عدم تحقيق الإجماع في قضية كوسوفو.
ومن جهتها تعارض أيضاً قبرص وهي المقسمة منذ عام1974 استقلال كوسوفو خوفاً من أن تستغل تلك السابقة جمهورية قبرص التركية في الشمال غير المعترف بها سوى من قبل تركيا, وتنضم كذلك كل من سلوفاكيا وبلغاريا واليونان اللاتي يعانين من مشاكل الأقليات إلى جماعة المرتابين من استقلال كوسوفو.
وإلى الغرب من كوسوفو أعلنت اسبانيا والتي ستشهد انتخابات تشريعية في 9 آذار المقبل أنها لن تعترف بكوسوفو المستقلة خشية إثارة فورة لدى الأقلية الباسكية والكاتالونية ولاسيما وأن الأقلية الباسكية قد رأت في استقلال كوسوفو (نموذجاً يحتذى) ويسيطر هاجس أثر (الدومينو) لاستقلال كوسوفو على روسيا التي تخوض حرباً ضد الانفصاليين الشيشان الذين أسرهم خبر استقلال كوسوفو عن الدولة, وأثار هذا الخبر خوف جورجيا التي تشهد نزاعان فيها ابخازي وأوسيني, وفي سيريلانكا ثمة مواجهة بين الحكومة ونمور التاميل وبالتأكيد لن يسر الصين إعلان استقلال كوسوفو وهي المسكونة بهاجس انفصال التيبت والاقليم الإسلامي وكذلك تايوان وقد عبرت عن (قلقها العميق).
ويحاول الجغرافي والدبلوماسي السابق ميشيل فوشر التخفيف من وطأة الخبر وما أثاره من مخاوف بالقول (ينبغي علينا ألا نخلط بين هذه السابقة التي تؤثر دبلوماسياً لأنها تمس مبادئ القانون الدولي وبين أثر (العدوى), لأن كل الصراعات التي تحدثنا عنها هي موجودة قبل استقلال كوسوفو, ورداً على معرض حديث هو بيرفيدرين وزير خارجية فرنسا الأسبق على قناة (ثقافة فرنسا) يعتقد فوشر أن الحدث سيعكس التناقضات الموجودة في الغرب الذي حل محل الأسرة الدولية في منح كوسوفو الاستقلال, ولكن لماذا توافق أوروبا على سلخ جزء من صربيا وتعتبره شرعياً باسم الحق الشرعي للشعوب وتعارض في الوقت ذاته فكرة سلخ جزء من كوسوفو يتيح للأقلية الصربية في شمال كوسوفو الالتحاق ببلغراد, و الحال نفسه وبالنسبة لصرب البوسنة إنها سياسة الكيل بمكيالين.