إذاً هل مازال آدمنا جسراً للبيت وعموداً له يرفض التنحي جانباً مهما كان حجم الضغوط عليه كبيراً تاركاً موقعه ربما لزوجته أو لأبنائه أو للمحيط بكل ما فيه من تدخلات الأصدقاء والأقارب وسواهم لإدرة شؤون أسرته تحت مبررات مختلفة لنتابع ونستنتج.
السيد أبو خليل- موظف خمسيني يجزم أن الأسرة بحاجة دوما للرجل ورأيه لذلك, ليس هناك من داع للتنحي جانباً مهما كانت الظروف لأن ما يراه هو لا يمكن للآخرين من أفراد اسرته رؤيته سواء كانت زوجته أو أبناؤه وهم غالباً يدركون هذا الأمر وحاجتهم لرب الأسرة لكن الكبرياء أو عزة النفس و ربما حب الاستقلال أحيانا يجعلهم يفضلون الاعتماد على أنفسهم والاستئناس برأيه فقط, بالنهاية أرفض التنحي بشكل مطلق لأن ذلك سينعكس سلباً على استقرار أسرتي وبنائها.
السيد علي يرى بأن تنحي الرجل في مجتمعنا عن بعض مسؤولياته بات أمراً واقعاً عليه القبول به درءاً لخلافات وصدامات قد تنشب في حال إصراره على التمسك بزمام الأمور داخل أسرته خاصة إذا كانت الشريكة مسيطرة مادياً أو حتى علمياً, الأمر الذي يجعلها تعتقد بأنها تمتلك جواز سفر يخولها فرض رأيها والاستئثار به وبمعظم القرارات التي تخص شؤون الأسرة وتنشئة الأبناء, الأمر الذي يقلل من حضور الأب وهيبته تجاه أبنائه الذين بدورهم يبدؤون بالتذمر من ملاحظاته وتوجيهاته, لذلك التوازن المادي والعلمي بين الزوجين يعد أحد عوامل الأمان التي تساهم في الحفاظ على كرامة الطرفين وبشكل خاص الرجل الذي نشأنا على احترامه من خلال احترام الوالدة له.
الدكتور ناصر- استاذ جامعي يؤمن بأن التنحي يصبح ضرورة عندما يصير الرجل عقيماً أي غير قادر على المبادرة بكافة الأمور سواء في ايجاد الحلول لمشكلات تواجه الأسرة أو حلول تربوية لكيفية التعاطي مع الأبناء, كذلك الأزمات المالية أو الاجتماعية التي قد تعترض مسيرة العائلة أو حتى على خلق حوار بناء بين أفراد أسرته من خلال بث ثقافة الاعتراف بالآخر الذي لابد وأن يصبح بمرور الأيام شريكاً لرب الأسرة وبذلك نضمن الاستقرار المادي والمعنوي لها, والأمر لا يتطلب أكثر من وعي وإدراك لهذه الحقيقة والتي غالبا ما تصطدم بأعراف وتقاليد نتمسك بها خوفا من المجتمع فقط رغم وقوفها حاجزاً يحد من مبادراتنا كأفراد فيه.
ويؤكد د. ناصر بأن التنحي لا يقلل من شأن الرجل إن اتخذ بتوقيته الصحيح والملاحظ أن 70% من الرجال يبادرون اليه عن طيب خاطر عندما يشب ابناؤهم, لكن المشكلة في الزوجة التي غالباً ما تصر على التمسك بمكانتها, طبعاً بالمقابل هناك من يتمكن بأسلوبه القمعي من دفع أفراد اسرته لمغادرتها كي لا يعترف بشراكة الآخرين له.
السيد خالد- مهندس صريح وعملي فهو لا يجد ضيراً بالتنحي عن متابعة بعض شؤون الأسرة ليقينه بأن الزوجة قادرة على الحلول مكانه ومتابعتها ربما بشكل أفضل كدراسة الأبناء وتأمين حاجياتهم ولوازمهم ومتابعة نشاطاتهم, وقد تتسع الدائرة أحياناً لتشمل تأمين جزء من احتياجات المنزل نظراً لغيابه عنه ساعات طويلة بسبب العمل وضغوط الحياة المادية, لكن المشكلة برأي السيد خالد تكمن في الزوجات عموماً اللواتي لا يوفرن فرصة للتذكير بأنهن يتابعن شؤون الأسرة والأولاد والتي لم تتنازل عنها إلا نتيجة ضغوط الحياة, الأمر الذي ينعكس على علاقتنا بأبنائنا ومدى تجاوبهم مع ما أبديه من ملاحظات وتوجيهات غالباً تكون مستجابة عندما توجه من الوالدة.
إذاً لكل زمن رجاله ولكل حياة عصرية مفاتيحها ومتطلباتها وما عليك عزيزنا آدم سوى امتلاك بعض المفاتيح التي تجعلك معتدلا في تعاطيك مع مستجدات الحياة بعيدا عن التفريط بأخلاقيات وعادات عشنا في كنفها وساهمت في حماية أسرنا والحفاظ على كينونتها.