ممنوع مرفوض غير مسموح لم تكن سوى صرخات استغاثة بثت لنا من قبل شباب وفتيات لم تتجاوز اعمارهم الثامنة عشرة بعد بدأت عيون الأهل ورقابتهم تطبق الخناق عليهم وتحاصرهم حتى في أكلهم وشربهم لدرجة بدؤوا فيها يشعرون كأنهم دمى متحركة فالجميع يتدخل بشؤونهم ويتحكم بحياتهم حتى في أبسط أمورهم الشخصية.
فالآباء والأبناء كما نعلم وجهان متكاملان داخل الأسرة والوضع الطبيعي أن للآباء الكلمة العليا فيها وهم في قرارتهم يريدون الصالح والأفضل لابنائهم ولكن الوجه الآخر وهم الابناء يشكون دائما من معاملة وتقييدات الأهل لهم.. فما الأسباب التي تجعل اولئك الشباب وهم في عمر الورود يعيشون حالة من انعدام الثقة بالنفس تؤدي بهم إلى اطلاق مثل هذه الصرخات ليصل بهم الأمر في النهاية الى التخبط في حالات من التوتر والقلق والاحباط واخيرا الملل والسأم من هذه الحياة?.
سمر فواز 14 عاما بابتسامة حزينة وشكوى نابعة من الأعماق تقول مهما كبرت سأبقى صغيرة بنظر والدي واخوتي فأنا أصغر أفراد هذه العائلة ووحيدة على ثلاثة شبان لايحق لي التدخل أو ابداء الرأي حتى في أصغر امور العائلة أو فيما يخص حياتي الشخصية مثلا لايسمح لي باختيار ثيابي بنفسي على اعتبار انني لم املك بعد الخبرة لاختيارها ولا يحق لي الاستماع كغيري من بنات جيلي إلى الأغاني التي تبث هذه الأيام لأنهم يرونها هابطة وأنا لست صغيرة.
واستطيع أن اميز الاغاني الهابطة من غيرها ولكن عائلتي لاتقدر ذلك. وتضيف سمر اتمنى لو انني لم اخلق فتاة حيث يبقى دائما للشاب حرية أكثر للتصرف بحياته كما يريد وهناك أمر اريد أن اذكره لكم أصبحت في سن الرابعة عشرة ولم أخرج لمرة واحدة من المنزل وحدي دائما هناك من يرافقني حتى عند الذهاب إلى المدرسة والعودة منها مبررين ذلك أن هذا المجتمع الذي نعيش فيه لا يرحم والحرص واجب وقد طلبت من عائلتي أكثر من مرة أن يغيروا هذه الطريقة بالتعامل معي لأنني لم اعد صغيرة واستطيع التصرف بحكمة في كثير من الأمور ولكن دائما لا أحد يستجيب لي حتى مللت هذه الحياة وقسوتها.
وباستياء واضح تحدث لنا مرهف الحسن 15 عاما عن معاناته في تعامل عائلته معه فقال معظم طلباتي تواجه بالرفض من قبل أهلي وحجتهم دائما أنني مازلت صغيرا على أمور كثيرة منها ممنوع اختيار اصدقائي كما أريد على اعتبار أن رفاق السوء كثر في هذه الأيام وممنوع الذهاب الى دور السينما لأن ما تقدمه لايتناسب وعمري مع البرنامج الذي يقدم على شاشة التلفاز يكفي ويزيد وكأن دور السينما لاتقدم إلا هذه النوعية من الأفلام الهابطة أما المشكلة الأكبر التي اعاني منها زيادة المصروف الذي طلبته مرارا من عائلتي ودائما الرفض مع الإصرار
إن مصروفي مقتصر فقط على شراء ما يطلبه الأطفال وليس كشاب في الخامسة عشرة من عمره لدي الكثير من الطلبات الأخرى التي ترى فيها عائلتي أنها طلبات ومصاريف بلا طعمة وليس لها مبرر كشراء كاسيت أو الذهاب في رحلة خارج نطاق المدرسة مع اصدقائي أو الانتساب الى ناد لتعلم هواية احبها وهي رقص الباليه وهذه رفضت رفضا قاطعا من قبل عائلتي بحجة انني سأسيء لهم وللعائلة إن تعلمت هذه الهواية فهي للبنات وليس للشباب وهذا ما سبب لي حرجا كبيرا أمام اصدقائي لدرجة باتوا فيها يتفادون اشراكي معهم في أي نشاط يريدون القيام به واصبحت بنظرهم مدار سخرية وطفل صغير لا يستطيع اتخاذ قراراته بنفسه .
أما هبة الغانم 13 عاما بصوت حزين تقول مشكلتي الوحيدة مع عائلتي عدم ثقتهم بي ليس لأنني ارتكبت ذنبا بل لكثرة ما يسمعون عن المشكلات التي تقع فيها معظم فتيات اليوم لدرجة أن سيلا من الاسئلة يوجه لي يوميا عند الذهاب والعودة إلى المنزل وعلي الاجابة عليها مثلاً : إلى أين انت ذاهبة, ومع من ومتى تعودين ,وماذا فعلت في الخارج ? وغيرها الكثير وحتى ان ذهبت لزيارة إحدى صديقاتي وهي تعيش في بناء مجاور لبنائنا يجب أن تحدد لي الساعة وإن لم أعد في الوقت المحدد تبدأ الاتصالات لتكون أصابع التوبيخ والتأنيب بانتظاري وهذا على الرغم من انني توءم لشقيق له الحق في ممارسة حريته كاملة والتمتع بها دون حسيب أو رقيب فيذهب متى يشاء ويعود في أي وقت يريد دون أن يراقبه أحد أو يحاسبه وعند احتجاجي على هذه التفرقة في المعاملة الجواب هو صبي ولا شيء يؤثر عليه.
والآن وامام هذه المعاناة التي قادت معظم هؤلاء الشباب الى مرحلة من الذبول والملل والسأم من الحياة لابد أن يكون لأهل الاختصاص رأي.
د. لينا العبد اختصاصية علم اجتماع قالت: إن معظم شباب وفتيات اليوم والذين لم يتجاوزوا بعد الثامنة عشرة من العمر يعانون من الملل والرفض والحرمان ويعود ذلك إلى انعدام حريتهم في ممارسة ما يرونه حقا شخصيا حتى يصل بهم الأمر إلى اعتبار خوف الأهل عليهم هو عدم الثقة بهم مما يفسح المجال لسخرية الأخرين منهم ولاسيما إذا كان اصدقاؤهم لايعانون مما يشعرون به لدرجة أن بعضهم تراه يتكلم وكأنه مضطهد من جميع الناس فيبدأ باتخاذ الكآبة صورة للتذمر من المحيط الذي يعيش به ونحن كما نعلم ان القلق والحرص من قبل الأهل شيء طبيعي وواجب ولكن ذلك يجب أن يكون باعتدال فعندما يبالغ الأهل في قلقهم وحرصهم سيؤدي ذلك الى خلق حالة من عدم الثقة عند هذا الشاب بنفسه أولا وبعدم الأمان من المحيط الذي يعيش به ثانيا وهناك ناحية أخرى اود الاشارة إليها لها دور كبير في خلق حالة الكآبه والملل عند معظم اولئك الشباب حيث إن التغيرات الفيزيولوجية التي تصيب جسد المراهق في هذه المرحلة وما يرافقها من تغيرات نفسية وعاطفية تلعب دورا كبيرا في تكوين صورة المراهق لنفسه والتي يحب ويعمل على الظهور بها أمام أعين الناس ولكن سرعان ما تتلاشى هذه الصورة أمام الأهل في الاهتمام بأولادهم وعدم منحهم الثقة لاثبات وجودهم كشباب خرجوا من مرحلة الطفولة لذلك نرى أن الاستقلالية من اتخاذ القرارات بدون تدخل من قبل الأهل وتحمل المسؤولية شعار يرفعه كل شاب يحاول أن يثبت لنفسه وللمجتمع أنه لم يعد طفلا بل اجتاز هذه المرحلة ويجب التعامل على اساس ذلك وإن لم ينجح في ذلك نراه يدخل حالة من الملل والسأم والكآبة لتخلف عنده في النهاية شخصية مهزوزة الثقة بنفسه اولا وبالمحيط ثانيا.