|
فأرة أدونيس: مفارقات التأويل.. أم التهويل?! كتب والنمو والتجارب الشخصية, لننظر في عوالم دستويفكسي الأثيرة أو ماريو بارغاس يوسا, أو وليم فولكز وسواهم,ثمة ما يضيف إلى النظريات النفسية يفحصها ويؤكدها في مستويات التأويل والتحليل. فقد قيل إن علم النفس يضرب جذوره في حوارات أفلاطون وردود أرسطو, وإن ثمة علاقة نفسية بين طبيعة الشعر واللغة إذ يسعى التحليل النفسي إلى كشف أسباب ودوافع خفية عند المؤلف أو القارئ أو المحلل ذاته.. ولسيغموند فرويد ومعاصره وليم مكدوجل نظرياتهما في العلاقة بين الإبداع الفني والاضطرابات النفسية حتى إن فرويد كان يجري مقارنة على كتاب الروايات والقصص الأقل إدعاء (عقدة أوديب) وغيرها. لكنه من النادر جدا أن يحظى الشعر بمقارنات التحليل النفسي ومعروف أن الأديب المصري الراحل عباس محمود العقاد استخدم المنهج النفسي في دراسته لأبي نواس وابن الرومي والمتنبي وأبي العلاء مستخلصا صورهم النفسية ومعللاً ذلك بالترجمة وصولا إلى الصورة مع ما شاع آنذاك من سجالات ومعارك لاترى بضرورة إقحام النماذج النظرية التي يخططها علماء النفس والنظريات السيكولوجية على دراسة الأدب كما هو موقف الناقد الراحل د. محمد مندور. وما بين القول بالأصل النفسي للإبداع كحقائق نسبية معرفية وبين إغفال الأدب كقيم جمالية والأديب في أصالته الفردية بون شاسع ماذا لو طبقت نظريات التحليل النفسي على رامبو وجيمس دين والشاعرة الاغريقية سافو ربما نخرج- كقراء- بنتائج مثيرة ليس أقلها إثارة بالطبع المقاربات النفسية في الخطاب الشعري للشاعر أدونيس للباحث العراقي شوقي يوسف بهنام في كتابه (فأرة أدونيس) الذي ينطوي على سلسلة قراءات في المنجز الأدونيسي لكنها رؤية نفسية لاتقف عند جماليات شعر أدونيس وأنساق خطابه الشعري وتشكيله وإن انصرفت إلى شرح صوره في اختيارات من أعماله الكاملة( المجلد الأول والثاني) من وجهة نظر علم النفس ومعجم الأمراض والاضطرابات النفسية. ولا ريب أن حالة رجل الفئران الفرويدية قد شكلت منطلق العنوان فأرة أدونيس والذي استقاه الباحث من نص لأدونيس حمل عنوان (مشروع لتغيير الأشياء):أمس فأرة حفرت في رأسي الضائع حفرة ربما ترغب أن تسكن فيه كل تيه ربما ترغب أن تصبح فكرة. ولكن أين تضعنا تلك القراءات النفسية من المنجز الأدونيسي لطالما أن التحليل النفسي كما هو معروف لا يتجاوز سمة أنه يتبع خيوط العمل الأدبي إلى وعي ولا وعي الذات? وبمعنى آخر إذا أمكن تأويل النصوص وفق المنهج النفسي بمشروعية استنطاق التجربة فإننا مع القراءات المختلفة ( الشارحة) سنحظى بتلك الإحالات العلمية معرفيا على الأقل وببعد واحد سيختزل جماليات النص عند فارس الكلمات الغريبة ستبدو أسئلة متقطعة حول نص هو غابة أو أفق من الدلالات بتعبير أدونيس نفسه الذي رآه الباحث وفقا لمنهجه ذو مزاج اكتئابي من خلال قصيدته ( ياقلقي) والقلق لدى المبدع هو قلق فاعل بالضرورة ولدى أدونيس هو رؤيا تستثمر من اللغة ما تستطيعه والالتباس القائم في النص هو من الغنى ليتيح تأويلات كثيرة هكذا يريد الشاعر أن يرى ولاسيما في نزوعه للكشف عن المرئي واللامرئي في أقنعته الأشد مكرا وخطرا سواء تبدى أدونيس ديوجيونس آخر أو نوحا جديدا أو أدونيس الأسطورة أو مهيار الدمشقي. والتماهي ( البطل) في صيغته الكونية وفي اشكالية هويته في جسده - روحه كدال شعري يظل هو علي أحمد سعيد اسبر هذا هو اسمه كما قال ذات مرة واقع الأمر أن الباحث يماهي بين أدونيس الشاعر وأدونيس الأسطورة في شرح صوره الشعرية ليس مرورا في مجازاتها بل وقوفا بما تستقيم لديه من مباضع التحليل النفسي وفرضياته فمثلا تتكئ الرؤية النفسية للباحث -بهنام- في ثعبان أدونيس على عقدة أديب فصراعات الشاعروكذلك مناخه النفسي تقولهما صوره الشعرية برموزها وتجلياتها وماهيتها الصوفية ليقف على نرجسية أدونيس وحاجاته لتحقيق ذاته ويقف على اشكالية الحلم والجنون بل كبرى الاشكاليات جسد أدونيس تتواتر اشكاليات أخرى سطوة الماضي المشاعر الاطلاقية ذاكرة الطفولة فمقاربة (لمخدع) الشاعر إلى أن يحقق الباحث ما يسند منهجه النفسي بدلالات الصور وما يدعم مقاربته الإجرائية خصوصا في نظرية فرويد المتعلقة بعملية الابداع كنوع من اللعب تثيره حادثة معينة في الحاضر فتتم الاستجابة لربطها برغبة غير مشبعة قديمة بمعنى ترجمة الرغبة والحدث والتجربة إلى فعل لغوي وذاكرة. فأرة أدونيس أو أدونيس تحت خيمة السايكولوجيا قراءات تضع الشعر في مواجهة تصورات التحليل النفسي وعلم النفس بحثا عن المسكوت عنه في المنجز الشعري الأدونيسي لكنها تصورات قلقة رغم منهجية باحث عليم في مستوى اكراهات التحليل النفسي ومفارقاته العلمية وأدواته المحايدة في الأغلب الأعم بالرغم من طرافتها في استبطان العقل الجمعي الذي يرى في الظاهرة الشعرية أصلا تعبيرا وجوديا وتاريخيا ولغويا وإنسانيا ما يعني مفارقة أن يحصر منهجاً بعينه حقيقة النص الشعري لدى أدونيس الظاهرة قبل وبعد ( علي أحمد سعيد اسبر) كهوية غير مكتملة أو إفلات متواصل خارج التعريفات والكلمات والصيغ الجاهزة إن اكراهات التحليل النفسي تجاوزت تجربة أدونيس الصوفية ومشروعها الرؤيوي القائم على عدم الفصل بين الشعر أو الحساسية عن العقل يبدو القول بتعبير الشعر عن ظواهر نفسية أسهل من لوي عنق النصوص ووضعها تحت مقصلة التحليل? الكتاب: فأرة أدونيس مقاربات نفسية في الخطاب الشعري. - المؤلف: شوقي يوسف بهنام. - الناشر: مكتب الاستاذ سركيس إغاجان.
|