التي دامت شهراً ونصف الشهر أن يحمل رئيس مجلس الوزراء معه أجوبة كاملة على مجمل الأزمات المعيشية التي يعاني منها المواطنون قبل أن يقوم أعضاء مجلس الشعب بطرحها لقناعتهم أن الحكومة أمضت شهراً ونصف الشهر في البحث عن الحلول.. السيد رئيس مجلس الوزراء خرج قبل أن يفتتح السيد رئيس مجلس الشعب الدكتور محمود الأبرش (الحوار المحبب) كما يسميه, وهو في الحقيقة حوار محبب لدى الأعضاء, وللسيد رئيس مجلس الشعب وأوضح بكل حماس انحيازه الحقيقي إلى معاناة الناس, ففي جلسة الثلاثاء قال كلاماً هاماً دعا فيه الحكومة إلى ضبط الأسعار وإعادتها إلى وضعها السابق والمعقول واتخاذ كل الإجراءات الرادعة بحق من يتلاعب بقوت المواطنين واحتياجاتهم الأساسية, وطالب بتفعيل دور مديريات التجارة الداخلية داخل وزارة الاقتصاد والتجارة.. وكان قد أوضح في جلسة الافتتاح أهمية الحوار بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لبناء الوطن.
نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية اختزل أسئلة الأعضاء الساخنة المحملة بمواضيع كثيرة (أسعار الحبوب المتصاعدة التي تشكل (بروتين الفقراء) والتهريب ووقوف الناس في طوابير طويلة للحصول على المازوت ومعاناة المزارعين مع الصقيع وتلف البيوت البلاستيكية ودخول الخضار والفواكه الأردنية والمصرية إلى السوق, وتدني أسعار الحمضيات لأنها منتج محلي, وإغلاق بعض محطات الوقود, وفشل الحكومة في معالجة مجموعة من الأزمات قبل وقوعها.. كل ذلك اختزله نائب رئيس مجلس الوزراء بعبارات قليلة.. بدت في واد والأسئلة والمعاناة في واد آخر, هل تعمد ذلك, أم للهروب من إجابات مفقودة.. مثلاً.. تحدث عن تضخم أسعار المنتجات الزراعية في العالم وأن الحكومة بصدد تشكيل لجنة لدراسة أثر تضخم هذه السياسة السعرية على المنتج الزراعي المحلي.. وكأن المشكلة خارجية فقط.
صمت الأعضاء أمام هذا العرض حمل كثيراً من خيبة الأمل والمرارة والقلق, راح كل منهم يفكر كيف سيعود إلى الناس, وكيف سيرد على مئات المكالمات الهاتفية بعد الجلسة مباشرة, لأن الناس ينتظرون النتائج التي ستسفر عنها الجلسة الأولى.
الأسعار في الأسواق.. تنام على واقع وتستيقظ على واقع آخر..
والمواطنون بين حلم الحلول السريعة وسكاكين الغلاء الحادة.. وهم الذين راهنوا خمسة وأربعين عاماً بثقة على الرؤية الاقتصادية التي تنتهجها الثورة التي هي ثورتهم وجاءت من أجلهم, وهم اليوم بين حلول اقتصاد السوق الاجتماعي وتنظير السوق المفتوح, وهكذا وجدوا أنفسهم أمام واقع مر.
في التهريب المشكلة..
في التجار الشطار المشكلة..
في تراخي قبضة الحكومة المشكلة.
في تربية الناشئة في المدرسة والجامعة والبيت المشكلة.
في مصطلح الحلال والحرام.. وهل مال الدولة حلال أو حرام المشكلة?.
وفي قلة ما في اليد ولدت الجرائم وتكبر جرائم لم يعرفها الوطن من قبل..
السيد رئيس مجلس الوزراء اعترف أمام مجلس الشعب في دورة تشرين السابقة أن الحكومة عاجزة عن وقف التهريب.. ما معنى أن تعلن حكومة عجزها عن مكافحة التهريب, وأكثره يمر من النافذة الشرعية.. نعم من النافذة الشرعية.
إذا كانت سورية تستهلك من المازوت قرابة عشرة مليارات ليتر من المازوت سنوياً, فإن ملياراً وأربعمئة مليون ليتر منها يهرّب إلى خارج القطر.. طبعاً هذا الرقم هو ما أعلنته الحكومة, أي إن 14 بالمئة من المازوت يهرب, تعالوا لنحسب كلفة هذا المهرب من المازوت.. ,كم تخسر الدولة إضافة إلى ما يهرب من البنزين, وبخاصة.. بعد أن شرعت الحكومة اللبنانية جهاراً عملية التهريب من سورية إلى لبنان, لزيادة الخسارة في الاقتصاد السوري.
لتذهب الحكومة وتشاهد السيارات الخارجة إلى تركيا من كل المنافذ.. وإلى غير تركيا.. الحكومة قالت في مجلس الشعب: (إن وزير الاقتصاد اللبناني ذكر أن تهريب المازوت من سورية يوفر على الخزينة اللبنانية قرابة (330) مليون دولار.. أليس المواطن السوري بحاجة إلى هذا المبلغ وإلى قيمة الوقود المهرب إلى تركيا والأردن ولبنان أيضاً, ألم تكن الدولة بحاجة إلى فروق الأسعار التي جناها التجار من الأقماح التي أحجم مكتب الحبوب عن شرائها, وكذلك العدس والحمص.. ألم نكن بحاجة إلى هذه الأقماح لدعم مخزوننا الاستراتيجي?!
إذا كان السيد نائب رئيس مجلس الوزراء يفكر بتشكيل لجنة لدراسة آثار تضخم السياسية السعرية العالمية على أسعار المواد الزراعية, لماذا لا ندعم الزراعة مباشرة والتي يتسرب العاملون فيها إلى المدن للعمل في أعمال خدمية لا تخدم الاقتصاد الوطني.. لماذا لا نوقف التهريب بكل أنواعه ونشاهد انعكاس ذلك على واقع الخزينة وعلى واقع المواطن المعيشي? لماذا لا نوقف السرقات في مؤسسات الدولة? لماذا لا نضرب بيد من حديد على أيدي الذين يتلاعبون بقوت الناس كما قال السيد رئيس مجلس الشعب?. لماذا لا تقوم الجهات الرسمية بإطفاء مصابيح الشارع والمباني الحكومية في النهار? المفارقة العجيبة في كل مدننا, شوارع معتمة تحتاج لإنارة, وشوارع تزدحم بأربعة خطوط من الأعمدة الكهربائية بين العمود والعمود خمسة عشر متراً وتنار بطاقة عالية, وكأنها وضعت ليبحث العميان عن الإبر المفقودة في الليل والنهار, أليست هذه طاقة مهدورة وأموالاً مهدورة وعلى حساب المواطن الذي يتعرض للتقنين?!
التعهدات التي لا تتم بالمواصفات المطلوبة أليست سرقة وهدراً لأموال الدولة والمواطن?! حدثني الزميل عمران عمران عن مشروع في طرطوس عرض تنفيذه ب 99 مليون ليرة على شركة, ولكن شركة أخرى تعهدت تنفيذه ب 35 مليون ليرة سورية, سؤال, كيف يحصل ذلك, وأين دفاتر الشروط واللجان الدارسة و..و,...?!
مشكلات التموين الكثيرة تذكر بأيام وزارة التموين..
الناس يطالبون بعودة وزارة التموين, لأنها كانت تعالج مشاكل عيش المواطن بشكل عملي وسريع وعلى الواقع بعيداً عن التنظير والبرمجة الإيديولوجية التي تنتهجها عادة وزارة الاقتصاد.
ساعرض ملخصاً حدثني به رجل يعرف خبايا السوق.. يقول الرجل: (إن الإعلان عن سعر زائد أو البيع بسعر زائد.. غرامته (2000) ل.س ويتساوى في ذلك بائع البسطة الفقير والتاجر الذي يبيع يومياً بمليار ليرة سورية.. وإذا ما تم بيع مادة دون فاتورة غرامتها(عشرة آلاف) ليرة وفي هذه يتساوى أيضاً تاجر البسطة وأكبر مستورد ومورد.. وإذا قام مستورد ببيع بضاعة بسعر زائد تكون الغرامة ألفي ليرة, أما المواد غير المحررة (سكر رز سمون زيوت مواد علفية )إذا قام التاجر باستيرادها وطرحها في الأسواق دون إعداد بيانات كلفة يحدد فيها هوامش الربح والسعر النهائي للمستهلك غرامتها عشرة آلاف مهما بلغ ثمنها وإذا قام ببيعها بعد الحصول على بيانات كلفة من الجهات المختصة (دائرة الأسعار) وباعها بسعر زائد غرامتها ألفا ليرة.. هل عرفتم لماذا ترتفع الأسعار??.
ربما.. ربما.. وراء هذا كل ما يحدث شيطان يتربص شراً بهذا الوطن وقيادته لمواقفها الوطنية والقومية.., ألا يتطلب ذلك من الحكومة مواجهة التحدي بالعمل وإيجاد الحلول السريعة?!