والذي يعكس ردة الفعل الايجابية الباحثة عن اصالة وحداثة مستمدة من بقايا معطيات الحكايا الشعبية المترسخة في الذاكرة والوجدان, والمعبرة في نهاية المطاف, عن هواجس الارتباط بالحركة العاطفية الجياشة المقروءة في انماط التشكيلات الانسانية والنباتية العفوية والتلقائية.
صدر لمناسبة المعرض كتاب فني فاخر من القطع الكبير , احتوى على العديد من صور لوحاته المعروضة بطباعة ملونة و انيقة, تفيد كل من يرغب بدراسة اعماله وحياته, ولا سيما ان المعرض يمنحنا فكرة واضحة عن خلاصة بحوث انور ا لرحبي خلال مسيرته الفنية الطويلة, التي اقام خلالها حوالي ستة عشر معرضاً منفرداً داخل سورية وخارجها.
واللافت اتجاه لوحاته في هذا المعرض نحو الاحجام الجدارية البانورامية. فهو يقدم نفسه هذه المرة كرسام جداريات حيث تصل المساحة المرسومة احيانا الى حدود 220*220 سم واللوحة هنا تعيدنا الى أجواء بحوثه السابقة ا لقريبة في ايضاحتها المباشرة من الموتيف الصحفي الذي مارسه سنوات طويلة, حتى انه يقوم احياناً بقص والصاق صفحات من رسوماته الورقية على مساحة اللوحة القماشية , ثم يعمل على كسر اطراف الصفحات الملصقة بضربات او بلمسات لونية, تخفف ايضا من حدة ظهور الخطوط في المساحة التصويرية.
وتتداخل في لوحاته الاشكال الانسانية والزخرفية والفولكلورية. وهو يركز لاظهار الخطوط الحلزونية في تشكيل عناصره النباتية المحلية . إلا انه في النهاية يبقى مسترسلا في اظهار عناصره النسائية المستمدة اصلاً من بيئته الفراتية لتؤدي دورها كرمز (رمز الارض والعطاء والحياة المتجددة والمتدفقة).
وهو قبل أي شيء يهدف الوصول الى وحدة نسيجية في تشكيلاته الانسانية والنباتية والاجواء اللونية تعطيه خصوصية واسلوبية. ويخفف من التكثيف الشكلي والزخرفي ا لذي اعتمده في معارض سابقة, ويضفي على لوحاته المزيد من المساحات اللونية الواسعة. إلا انه يعمل على كسر الصفاء اللوني باظهار الجوانب التقنية المقروءة في تجعيد الورق الملصق على سطح اللوحة.
هكذا يحلل عناصره ويفككها ويختزلها ويحورها ثم يقدمها في لوحات متنوعة المناخات والحساسيات , ليضيف كلاماً او نصا ادبيا تتداخل البنى الزخرفية فيه مع الاشكال الانسانية والرمزية والبيئوية المتجهة نحو العفوية والتلقائية والاناقة اللونية والخطية, وتبرز في معرضه الجديد تقنية ألوان الاكريليك. كما تأخذنا في احيان كثيرة الى حالات لحظية وسكونية, وهذا له علاقة بالجانب الروحاني او بالرمز الصوفي المثبت في الاضاءة المركزة في اماكن متفرقة من اللوحة.
واذا بدت بعض التكوينات هندسية, لا سيما في بعض الخلفيات المحددة بخطوط شاقولية, فهو في النهاية يجنح بهندسته البصرية, نحو تسجيل حالات ورؤى ذاتية داخلية , تتفاوت بين لوحة وأخرى حسب أحاسيس الفنان ودرجة الانفعال لديه, فالألوان المتبدلة والانفعالات المتقلبة تبدو وليدة ايقاعات النفس العفوية, التي لا تريد تجاوز عناصر الواقع , والرموز الشعبية, بل تبقيها منطلقاً لاظهار ما يريد قوله تشكيلياً , رغم انه ينطلق في الاساس من موضوع أدبي يحمل الطابع السحري المقروء في قصص الف ليلة وليلة, حيث الانتقال من عجيبة الى اخرى دون توقف او انقطاع.