أحلام تبددت , و طموحات احترقت في أفران الخيبة , و قلاع من البلور و الضوء انهارت في خريف اليباس الذي يشتعل اليوم في فوديك شيباً, و في ضلوعك مرارة , و في وعيك يأسا و قنوطا , تنزوي الان مع يأسك البارد إذن , و تعلل نفسك ببركة اليأس, فهو الذي يعفيك من مشقة المحاولة مرة اخرى, و هو الذي يريحك من الحلم , و هو الذي يطرد من عينيك طيف النصر الذي راوغك في شعاب العمر أكثر من نصف قرن, فابتلعته الهزائم ,و افترسته حماقة العرب الذين طوّبوا تاريخهم , باسم النكوص و الغياب:
من كان يصدق ان الجمل الاولى و النصوص الاولى التي سطرتها في دفترك منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي , و التي التهبت بحماسة الصبا و وهج السطوع القومي الطالع من عباءة عبد الناصر , وهو ينسج راية الوحدة العربية , في افق مفتوح على كل مغريات الحلم .., من كان يصدق ا ن تلك الجمل والنصوص سوف ترشق عينيك بعد نصف قرن بسهام السخرية بعد ان انسد الافق , و ضاقت ا لخيارات , و تمزقت الراية , و ا صبح الفكر القومي , و الوهج القومي , تهمة يصطاد أولياءأمر العرب اصحابها و يلقون بهم في فلوات من اليأس و الضياع!
مشكلة لعبتك الخطرة, لعبة الكتابة , إنها ومنذ الخطوة الاولى , مشت على ايقاع نشيد الامة , و انها اسرفت في الرؤية في اوقات الصعود و ما اقلها , و في اوقات السقوط و ما أكثرها ! و مشكلة لعبتك الخطرة انها لم تكن يوماً, شأناً شخصياً, تسعى عبره , لبناء مملكة من ياقوت الابداع, بعيدا عن المعنى , و بعيدا عن احوال الامة في غمرة تحول تاريخي , كل الدلائل فيه كانت تشير الى شروق نصر ٍ ما, يلامس جباه العرب, بعد عصور من الانحطاط بدأت بخروج عبدالله الصغير من الاندلس و لم تنته بعد ! كثيرون ممن واكبوك ,كانوا يرجمونك بالسؤال : ما علاقة الكتابة بأحوال الامة , و ما علاقة الكتابة بإرهاصات التاريخ , طالما ا نها مشروع شخصي جوهره الابداع و هؤلاء , تفرغوا فيما بعد لبناء مشروعهم الشخصي , و عبثوا بالكتابة, فلم يحققوا سبقا بالابداع , لكنهم حققوا طموحا شخصيا , قادهم الى مواقع, يوقعون من خلالها بالاخضر اليانع , و يفتون بأحوال الامة في الصباح و المساء !
لعبتك الخطرة , وهي تحث خطاها على ايقاع نشيد الامة : اوقعتك في الشجن منذ انكسار سارية العلم العربي, في جحيم عام 1967 , ثم فيما قادتك الى النبوءة , فلم يكن صعبا عليك , و انت تقرأ في صفحة السنوات التالية , لم يكن صعباً التنبؤ بحريق بيروت الاول في عام ,1975 و لم يكن صعبا التنبؤ بالطائرة المشؤومة التي حطت في مطار بن غوريون في تل ابيب عام 1977 , قادمة من القاهرة , و على متنها اول صك استسلام , يهديه العرب الى موشي ديان , في اقسى مفارقة في تاريخ العرب , بعد نصر واضح انجزه سفر العبور نحو الضفة الشرقية لقناة السويس بقلوب مصرية انجزت ثأرها في وضح النهار , ثم لم يكن صعباعليك التنبؤ بحريق بيروت الثاني عام 1982 , تحت سمع العرب و بصرهم في مشهد تراجيدي , أسس فيما بعد للمأساة التي طحنت العرب منذ غزو الكويت بقوة السلاح العراقي , مروراً بالغزو الامريكي المضاد على رمال الخليج وصولا الى سقوط بغداد في عز الظهيرة , في يوم ربيعي اشرقت فيه الشمس نكاية بالعرب , وزعت اشعتها على دمائنا و جثثنا , و خوذات جنود المارينز القادمين لتدشين عصر بأسك البارد , الذي يحظر عليك الان طراوة الحلم , و يطردك من نسيجك الفطري المفعم بالامنيات المغدورة!
توقف عن النبوءة اذن :
توقف.
سدد على أول الاحلام الطائرة
في خيالك و اطلق طلقتك :
أطلقت .
انزو مع يأسك البارد, و تلفع بجثث
الكلمات و الجمل الميتة
فعلت !
لكنك مسكون الآن بولهٍ شديد,
كي تستنطق حياتك و تروي أسفارها !!
فلتحاول.