وكذلك قضايا التخلف والحداثة وما شابه. إلا أنني أجد نفسي أحياناً أتفلسف على عادة أهل الثقافة، فأسمح لنفسي أن نتكلم عن المسرح العربي بالرغم من عدم انتشاره بشكل يلبي حاجة الإنسان إليه، أعترف بأن المسرح في طور الطفولة التي بدأت تشق طريقها نحو الشباب فالرجولة، مع العلم بأنها حالات قليلة قد بدأت في تلمس مرحلة الشباب.
وبت أظن أن دولاً عربية ما زال معظمها في بدايات الطفولة، أو أنها تفاجأ بأمر اسمه المسرح، أو أنها تشهد من حين لآخر ظواهر في مغامرات مسرحية تنوس بين الأهمية والهزال. أقول إنه لم يتحقق بعد لثقافتنا العربية انتظام في مواكبة الفن المسرحي كما يحدث في التلفزيون وأقله في السينما، إلا أنه مع مر العقود المنصرمة، ظهر عدد من الممثلين والكتّاب والمخرجين ليشهد لهم أنهم حققوا التماعاً مدهشاً في المشهد المسرحي، إلا أن ذلك المشهد لم يتحقق له اندفاعه في مؤسسات ذات إيقاع يومي أو موسمي لتؤثر بشكل قاطع على مجريات الثقافة، فكانت لنا فترات متقطعة من نهوض المسرح تخللها الانتكاس أو الغياب.
وبعيداً عن إحداث معاهد مسرحية في عدد من البلاد، وقد أكدت على استعداد حكومي في بعض من البلدان العربية لكي يكون المسرح شريكاً صحياً في صنع الثقافة، فإنه بالرغم من إعداد تلك المعاهد لكوادر من المخرجين والممثلين والنقّاد، إلا أن قدرة التلفزيون على امتصاصهم تجذب الكثير منهم إلى الشاشة الصغيرة، لذا فإن تلك المعاهد لم تستطع لأسباب كثيرة أولها المادية أن يكون للمسرح روافد تغذيه، فباتت غير قادرة على تكوين مؤسسة مسرحية فعالة ولم تستطع أن تنهض بالعالم المسرحي الذي أنشئت من أجله.
ولنعترف بأن السنوات التي مرت من هذا القرن ومن القرن الذي مضى، بأن المسرح العربي بالرغم من احتمال تطور لحق به، إلا أنه لم يستطع أن يتقدم لا بسبب استحواذ شاشة التلفزيون على العقول، ولكن بسبب تقهقر ثقافي وإبداعي انتشرا كوباء في المشهد الحضاري، والذي انسحب على بنية الثقافة التي نخرها شيء من سوس الهشاشة في الجسد.
ولا يستطيع أحد أن ينكر دور التلفزيون في الدخول إلى أي مكان بينما خشبة المسرح فأنت مضطر للذهاب إليها، ولا نستطيع إغفال دور الشاشة في شهرة الممثل والمخرج، إلا أن المسرح يبقى الأكثر أثراً في الناس. ولهذا يمكن للمسرح الحقيقي أن يؤثر في النفس بشكل يفوق تأثير التلفزيون الذي بات من آلية الاستهلاك اليومي.
ولهذا كله فالثقافة العربية ستظل منتقصة لغياب ما يمكن للمسرح أن يقدمه من فنون الدراما كالغناء والرقص، وحتى ما يمكن قوله عن الشعر فإن المسرح يغنيه بشكل فعال بما يمكن أن يقدم من شعر سيظل في النفس معادلاً لقيمة الدراما.