بدأ هذا المهرجان يستقطب اعترافاً بشموليته وأهميته منذ أن تطور في اهتماماته وتوسع في ما يقدمه من أنواع الانتاج الفني والثقافي، وكان أهم اتجاه في تطوره اتخاذه طابعاً دولياً يسعى لتغطية المشاهد الثقافية والابداعية المتنوعة في العالم. تخلى هذا المهرجان الدولي تدريجياً عن طابعه الأدبي الذي كان يحتفي في دوراته الأولى بشكل أساسي بالكلمة المكتوبة وبالكتاب وبصناعة النشر ليتحول فيما بعد إلى حدث ثقافي فريد يضم كافة أنواع الانتاج الثقافي والابداعي من أدب وموسيقى وسينما ومسرح وفنون عرض معاصرة إلى جانب الفعاليات الفكرية والثقافية التي تتطرق إلى قضايا الثقافة المعاصرة في مختلف أنحاء العالم.
يقام مهرجان إدنبرة الثقافي الدولي في شهر آب من كل عام، وتقام الدورة الحالية بين 7 و 31 من الشهر الحالي. تتميز الدورة الحالية بتنوع غير مسبوق في النشاطات والفعاليات. فمن جانب طابع المهرجان الدولي تكاد الدورة الحالية تغطي معظم ملامح التنوع الثقافي الانساني في جميع القارات والأمم والهويات الثقافية الحية. ومن جانب تنوع وشمولية النشاطات، يمكن القول أن هذه الدورة تشكل كرنفالاً يضم كل ألوان وأنماط التعبير الفني والابداعي والثقافي من خلال حضور مكثف نوعاً وكماً لفنون العرض والأداء والأدب والموسيقى. ومن المهم الإشارة إلى ميزة فريدة في مهرجان إدنبرة وهو أنه يستقبل كل إمكانات التنوع دون أي تخصص أو إنحياز إلى أنماط معينة. فإلى جانب الأنماط الفنية المكرسة هناك حضور للفنون والتعبيرات الشعبية وللتجريب المعاصر الذي لا يعترف بأية قوالب أو قواعد.
ويتعذر في الواقع الإحاطة بفعاليات الدورة الحالية من مهرجان إدنبرة الدولي نظراً لكثافة وتنوع الفعاليات. وتجهد الصحافة الثقافية البريطانية لمتابعة وقائع المهرجان في مراجعات يومية. أما فيما يتعلق بأهم الفعاليات التي يمكن من خلالها رسم صورة مبسطة عن طبيعة الدورة الحالية فيمكن الإشارة إلىمجموعة من المشاهد المميزة. كان المسرح في هذه الدورةحاضراً بشكل استثنائي من خلال كثافة العروض وتنوعها. ويمكن القول أن النشاط المسرحي في إدنبرة هذا العالم كان مساحة مفتوحة لكل أشكال واتجاهات التعبير المسرحي المعاصر، فمن كلاسيكيات شكسبير وغوته إلى فنون العرض التجريبية كان المسرح يعيد كتابة تاريخه من خلال احتفال إبداعي وجماهيري يؤكد أن المسرح ما زال فناً يقبل عليه الناس بشغف بحثاً عن الجمال والمعرفة.
من العروض المسرحية المميزة هذه الدورة عرض المخرج البريطاني مارك توماس “إنه الاقتصاد الغبي” الذي فاجأ الجمهور بعودة الكوميديا السياسية. يعالج هذا العرض واقع الأزمة الاقتصادية التي أثرت على حياة الفرد في المجتمع البريطاني من خلال حبكة بسيطة تعتمد الهجاء والتهكم على الواقع السياسي، ويعتمد العرض في بنيته على التماس المباشر مع الجمهور من خلال توريات تتقاطع مع هموم الحياة اليومية. أما عرض المخرج الروماني سيلفيو بوركاريت فيمثل نمطاً آخر من المسرح، حيث يقدم المخرج رؤية مبتكرة لمسرحية غوته الشهيرة “فاوست” من خلال عرض يعتمد التقنيات والمؤثرات البصرية والصوتية. ولقد أثار هذا العرض جدلاً بين النقاد بسبب تطرفه في الاعتماد على تلك المؤثرات، حتى أن صحيفة التلغراف وصفته بعرض مليء بالضجيج بحيث لو أن غوته سمعه من السماء سيخاطب صديقه شيلر محتجاً على الفوضى التي يمارسها البشر في يومنا الحاضر! إلا أن العرض أثار إعجاب نقاد آخرين وجدوا فيه جرأة تجريبية كبيرة في إعادة قراءة الكلاسيكيات المسرحية.
قدم العرض الكندي “قصر النهاية” عن نص للكاتب جوديث تومسون مساحة لحضور السياسة الدولية في البرنامج المسرحي لدورة 2009 من مهرجان إدنبرة. يقدم المسرحي الكندي في نصه قراءة خاصة لمأساة الحرب الأمريكية على العراق من خلال مشاهد درامية ترصد بعمق حجم الخراب الذي لحق ببنية المجتمع والإنسان في بلد تحول إلى مادة لرصد آثار الثقافة السياسية السائدة. ومن خلال لقطات مؤثرة عن سجن أبو غريب يقارب العرض الأزمة الأخلاقية التي يعاني منها الضمير الإنساني في العالم. ومن اللافت أن توقيت العرض قد تزامن مع مجريات التحقيق الذي يجري حالياً حول دور بريطانيا في الحرب على العراق وهذا ما سلط الأضواء على هذا العرض وجعله يتقاطع مع الجدل السياسي في وسائل الإعلام.
ومن العروض المسرحية التي أضفت على برنامج الدورة الحالية من مهرجان إدنبرة الدولي لا بد من الإشارة إلى بعض العروض التي تنتمي إلى فنون الأداء المعاصرة والتي تعتمد التجريب والخلط بين الرقص والموسيقى والإيماء وتقنيات الصوت والصورة. ومن أهم هذه العروض عرض بعنوان “ثلاثية” قدمه مجموعة من الفنانين والفنانات المتخصصين بالرقص المعاصر والإيماء. يعالج هذا العرض موضوعاً يخص علاقة المرأة بجسدها من خلال تشكيلات بصرية تتخذ من جماليات الجسد وتحولاته مادة رئيسية لقراءة التحولات الجديدة على الثقافة النسوية. ويستمر البرنامج المسرحي المتنوع حتى نهاية دورة المهرجان في 31 آب. ويشير المسؤولون عن تنظيم المهرجان إلى أن هذه الدورة قد استقطبت إقبالاً جماهيرياً غير مسبوق، وهذا يؤكد ما ذهب إليه المخططون والمشرفون على الفعاليات من أن المهرجانات الثقافية الدولية تساهم في تنشيط السياحة الثقافية التي تعد بمستقبل واعد في الاقتصاديات المعاصرة.