وكان أخلفه النَّدى وعداً
فلم يأبه لما فعل النَّدى
بل كان برّاً بالأمومةِ
بالعطاء السّمح, فاجترح الفِدى
يتساءل الغدق النّبيلُ:
أكان عطر توهّجي عبثاً؟
وياقوت انهماري, من سماوات العذاباتِ
سُدى؟
فالأرض, ما برحت, على ظمأٍ
يجوس رحابها, وهج الهجيرة, والسرابُ
فيزدهي فيها الرّدى
يتساءل الوجد الجليلُ,
ولا مجيبَ, سوى الصّدى
وتفجعات السافيات الهوج
تُعلن ثُكلها
وتُزَوْبِعُ الشّعرَ المُعفّر, والمراثيَ
في متاهات المدى
يتساءل الوجد الجليل,
وليس غير مواجع القدّوسة الجُلّى
تلوك صُراخها الدّامي, تُناشد, تستجيرُ
ولا مجيرَ سوى الصّدى
ولهاث فرسان الخُنوعِ
بجنح ليل عباءة غبراءَ
يغشاها, يطارحها البِغاءَ
ولا مجيبَ سوى المُدى
ورسيس أشباح السُّكونِ,
فتلعن الصَّمتَ العُضالَ
وقد تعاورها العِدا,
يتورّد الألم الجميلُ,
وبالندى, ما بالسهولِ, من اللَّجاجةِ
إنّه الشمم الجَزوعُ
يَهيب بالوهج المقدّسِ
أن يجاهر بالنّزيف الحُرَّ
ينغرُ في ضمير الكونِ
يطفر من بلادة روحهِ
نافورةً حمراءَ,
قل يا أيّها العشاقُ:
إنّ السُّمّ, في الترياقِ
فاعتصروا ثِمار الحنظل البشريِّ
دفلى السُّهد والإرهاقِ
هاتوا.. كي نذيق الموتَ
مما يشرب الأمواتُ
هيّا يا عصافير العذابات النّبيلةِ
يا يمامات الأسى البيضاءَ
هاتوا ما لديكم من تُراث القهرِ
نسكبه معاول, أو مناجلَ
للحصاد الصّعبِ
إن الأرض مثقلة بأهوال المجازرِ
باندياحات المقابرِ
قل يا أيّها النسّاكُ:
هبّوا مثل نار الوجدِ
هاتوا اللاّعج الصوفيَّ
والتوق المُبَرَّحَ
للتوحدّ في جلال الحقِّ
إن الحقَّ يغضب من شتاتِ الخلقِ
يفرح لانبلاجِ الصِّدقِ
يا نار المحبّةِ, سعِّريْ
وَلَهَ الأحبةِ,
لم يعد في الصّدرِ
صدر وجودنا المقهورِ
مُتّسعٌ, لنار مآتمِ الأشجارِ
أو لتساقط الأطيار, والأقمارِ
ضاق الصَّبر بالصَّبارِ
ضاق الصّدر بالتيارِ
ضاق بولولات ثقوبهِ السوداءِ
يا ريح المحبةِ
عانقي نار الأحبةِ
وانهضي قدراً...
يُعيد كتابة الأقدارْ.