1 – رجل في الأربعين .
2 – إمرأة في الثلاثين .
المشهد الأول
(الوقت مساء. رجل في الأربعين،يبدو و كأنه خرج لتوه من قرون ما قبل الميلاد. شبه عار، طويل اللحية، طويل الشعر ، شاحب الوجه، ثيابه رثة. مسجون داخل قفص من حديد فوق تلة جرداء تحيط بها أرض يابسة تمتد حتى حدود المدينة، بجانب القفص يوجد كوخ خشبي، أيضاً بدائي و لكنه يبدو متيناً. الرجل يمسك بقضبان القفص و ينظر باتجاه المدينة المضاءة، التي تبدو له كحلم)
الرجل : (يحدث نفسه) آه لو أستطيع أن أحطم هذه القضبان، و أقفز من فوق هذه التلة، وأركض باتجاه المدينة دون توقف. أقطع هذه السهول، التي تمتد أمامي.. حتى أصل إليها. المدينة حلمي، و هي منارتي. و لكن ماذا أفعل.. أنا مسجون هنا، و هي هناك تنتظرني. تعبت من هذا القفص. تعبت عيناي و أنا أنظر إلى أضواء المدينة، لعلني أرى طيفها و هي تحلق فوقها. تعبت قدماي من الوقف و الانتظار في هذا القفص.
(الرجل ينادي المرأة. يتصور أنه يراها) أنا هنا... انظري إلي.. إنظري. انا هنا، في هذا القفص.. فوق التلة. هل ترينني.. أنا هنا.. أنا هنا !(الرجل ينهار داخل القفص).
(إظلام)
المشهد الثاني
(يستيقظ الرجل صباحاً. متعباُ. شاحباً. و قد تحول إلى وحش حقيقي. ينادي المرأة التي في الكوخ.. يصرخ و يقفز داخل القفص، كما لو أن أفعى قد لدغته).
الرجل : أنت يا امرأة... أخرجيني من هذا القفص.. أكاد أموت من العطش و الجوع.. ألا تسمعين ؟ أمضيت الليل بكامله أعاني من الخوف و البرد و التعب.. هاجمتني الحيوانات المفترسة تريد أن تنهش جسدي. (ينظر إلى جسده) جسدي الذي لم يتبق منه سوى العظام. كنت أحس بلحظات من الرعب و الفزع، و أنا أرى عيونهم و أنيابهم، عندما كانوا يهاجمونني و أنا في القفص. (ينادي من جديد) ألا تسمعين ؟ أنت تنامين في كوخك المحصن مرتاحة، و في النهار تأكلين و تشربين أمامي. (يحدث نفسه) ترى كم من الوقت مضى على وجودي في هذا القفص.. أشعر أنني مسجون هنا منذ مئات السنين. (يتجه نحو الكوخ) و هذه السافلة لا تريد أن تحررني. لماذا لا أحاول ذلك بنفسي... يجب أن أهرب و إلا سأموت هنا. إذا لم تأكلني الحيوانات.. سوف تأكلني هي. و في احدى لياليها المجنونة ستشويني كأرنب فوق نار متوهجة، ثم ترقص حولي رقصة النار.. و عندما أصبح محمراً، مقمراً. ستبدأ احتفالها الوحشي و تأكلني. و لكنني لن أسمح لها بأن تفعل ذلك
(من جديد يمسك بالقضبان.. يضربها بيديه و رجليه..يدفعها بقوة. يحاول أن يبعد بيديه قضيبين عن بعضهما و يصرخ مثل الأبطال الأسطوريين... مما يجعل المرأة تستيقظ، فتدفع بقدمها و تخرج من الكوخ، فتبدو امرأة جميلة، شبه عارية.. تشبه نساء القبائل البدائية. تبدو مثيرة بشكلها و هي تتمطى وتصدر أصواتاً مما يدل على أنها قد نامت بشكل جيد. فتقترب و تأخذ السوط الموضوع بجانب القفص. ثم تدور حوله، و هي تراقبه بعينين شرستين.. بينما هو يلتم على نفسه خوفاً من ردة فعلها)
المرأة : ماذا تريد.. لماذا تصرخ ؟ هل تريد أن تخرج ؟
الرجل : أتمنى ذلك.. إذا كنت تسمحين لي.. !
المرأة : و لكن لماذا ؟ ألا تعجبك الحياة هنا، في هذا القفص. هكذا.. أنا أحميك.
الرجل : من أي شيء تحمينني.؟!
المرأة : (تغضب تضرب القفص بالسوط.. فيتراجع الرجل) أيها الحقير..
لو تركتك خارج القفص مقيداً لأكلتك الحيوانات المفترسة.
الرجل : ياليتك فعلتِ.. الموت أهون من هذا السجن فوق هذه التلة الجرداء.! في هذا العراء لماذا لا تدعيني أذهب إليها.؟
المرأة : (بحزم) لن أدعك تخرج من هنا سالماً.. لن أدعك تذهب إليها.
الرجل : (ينظر باتجاه المدينة و قد نسي المرأة تماماً) هذا الصباح سوف تنتظرني..
هناك في المدينة منذ أيام و هي تنتظرني. كم أتمنى أن أفاجئها و أقول لها صباح الخير فتفرح بعودتي، لكنها حين تراني على هذا الحال ستسألني..أين كنت ؟
(يبتسم لها و كأنها أمامه) سأجيبها و أقول.. هكذا يحدث لي, عندما لا أنام في سريري.!
المرأة : (تدور حول القفص و تضربه بالسوط فيتوقف عن الكلام) قلت لك ألف مرة أن تنسى تلك المرأة.
الرجل : حسناً ... سأنسى و لكن بشرط.
المرأة : و ما هو هذا الشرط ؟
الرجل : أن تخرجيني من هذا القفص.
المرأة : (تهدأ و تفكر) دعني أفكر في الأمر (تذهب إلى الكوخ)
الرجل : إلى أين تذهبين ؟
المرأة : سأحضر بطيخة، لكي أفطر.
الرجل : (بدهشة) بطيخة ؟!.. حمراء أم صفراء ؟
المرأة : (تضحك و هي تدخل الكوخ) حمراء بلون الدم.
الرجل : (يبقى وحيداً و هو ينظر إلى المدينة. يضرب القفص بكلتا يديه بعصبية) لا فائدة سأبقى هنا مسجوناً إلى الأبد.. و سأموت هنا إذا لم أفكر بطريقة جديدة.
(إظلام)
المشهد الثالث
(تخرج المرأة من الكوخ،و هي تحمل بطيخة حمراء بيدها. تجلس أمامه تكسرها بضربةٍ واحدة بيدها. فتنقسم إلى قسمين. ثم تبدأ بأكل البطيخة بطريقة وحشية)
الرجل : (يغازلها بنعومة) أتعرفين. أنت امرأة قوية جداً.. و جميلة، و أنا معجب بك.
المرأة : (تتوقف عن الأكل و تمسح بيدها فمها الذي تحول إلى بقعة حمراء.وقد أثارها كلامه) معجب بي ؟! ماذا يعني هذا الكلام ؟
الرجل : يعني أنني لا أريد أن أرحل و سأبقى معك.
المرأة : (تتوقف تماماً عن تناول البطيخ) تبقى معي ؟! تعيش في هذا الكوخ ؟.
الرجل : و سنتزوج و ننجب أطفالاً.
المرأة : (تنهض) نتزوج ؟! ألن تقطع هذه السهول لتصل إلى المدينة التي تحبها.؟
الرجل : كلا.
المرأة : و ستنسى المرأة التي تنتظرك و التي كنت تتحدث عنها طوال الوقت.
الرجل : سأنسى. فقط حرريني من هذا السجن و سوف ترين.
المرأة : (تتغير ملامحها و تصبح وديعة و ناعمة و محبة. تقترب من القفص و تمد يدها تمسك يديه، ثم تلامس وجهه بحنان) أتعرف.. كنت أنتظر أن أسمع هذا الكلام
طوال حياتي. لو قلت لي هذا الكلام منذ البداية، لما فعلت بك ما فعلت (تبكي) لقد سببت لك عذاباً أليماً في الأيام الماضية.
الرجل : لا بأس يا حبيبتي..سأنسى كل ذلك و سنبدأ من جديد سنزرع هذه التلة و الأرض اليابسة التي تحيط بنا سنحول المكان إلى جنة.. نأكل و نشرب، و ننجب أطفالاً كثر وهذا الكوخ سنجعل منه قصراً كبيراً. حتى يعيش فيه أولادنا. ثم يتزوجون، و ينجبون لنا أحفاداً جميلين يشبهونك قوةً و جمالاً.
المرأة : (تكاد تطير من الفرح) يا إلهي لا أصدق ما أسمع. حالاً.. حالاً سأفتح لك القفص (تخرج المفتاح من صدرها و تفتح القفص) أخرج يا حبيبي.. أخرج.. تفضل إلى كوخك. إلى جنتي.. يا حبيبي (تحاول أن تعانقه. و بحركة مباغته يخرج هو و يضعها في القفص، يقفل عليها باب القفص بسرعة فائقة بالمفتاح نفسه) ماذا فعلت ؟! ألم تكن صادقاً بكلامك.
الرجل : بلى.كنت صادقاً.. و لكن سنتبادل الأدوار قليلاً.(يتجه إلى الكوخ)
المرأة : إلى أين تذهب ؟
الرجل : سأجلب بطيخة كي أفطر.
المرأة : (وهي في حالة ذهول) بطيخة ؟! صفراء أم حمراء ؟
الرجل : (يضحك و هو يدخل الكوخ) و هل هذا سؤال..طبعاً حمراء.. بلون الدم. !!
(الرجل يدخل إلى الكوخ، أما المرأة فتنظر باتجاه المدينة)
(إظلام)