تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


القفص مسرحية من فصل واحد

ملحق ثقافي
25/8/2009
د . وانيس باندك

الشخصيات :

1 – رجل في الأربعين .‏‏

2 – إمرأة في الثلاثين .‏‏

المشهد الأول‏‏

(الوقت مساء. رجل في الأربعين،يبدو و كأنه خرج لتوه من قرون ما قبل الميلاد. شبه عار، طويل اللحية، طويل الشعر ، شاحب الوجه، ثيابه رثة. مسجون داخل قفص من حديد فوق تلة جرداء تحيط بها أرض يابسة تمتد حتى حدود المدينة، بجانب القفص يوجد كوخ خشبي، أيضاً بدائي و لكنه يبدو متيناً. الرجل يمسك بقضبان القفص و ينظر باتجاه المدينة المضاءة، التي تبدو له كحلم)‏‏

الرجل : (يحدث نفسه) آه لو أستطيع أن أحطم هذه القضبان، و أقفز من فوق هذه التلة، وأركض باتجاه المدينة دون توقف. أقطع هذه السهول، التي تمتد أمامي.. حتى أصل إليها. المدينة حلمي، و هي منارتي. و لكن ماذا أفعل.. أنا مسجون هنا، و هي هناك تنتظرني. تعبت من هذا القفص. تعبت عيناي و أنا أنظر إلى أضواء المدينة، لعلني أرى طيفها و هي تحلق فوقها. تعبت قدماي من الوقف و الانتظار في هذا القفص.‏‏

(الرجل ينادي المرأة. يتصور أنه يراها) أنا هنا... انظري إلي.. إنظري. انا هنا، في هذا القفص.. فوق التلة. هل ترينني.. أنا هنا.. أنا هنا !(الرجل ينهار داخل القفص).‏‏

(إظلام)‏‏

المشهد الثاني‏‏

(يستيقظ الرجل صباحاً. متعباُ. شاحباً. و قد تحول إلى وحش حقيقي. ينادي المرأة التي في الكوخ.. يصرخ و يقفز داخل القفص، كما لو أن أفعى قد لدغته).‏‏

الرجل : أنت يا امرأة... أخرجيني من هذا القفص.. أكاد أموت من العطش و الجوع.. ألا تسمعين ؟ أمضيت الليل بكامله أعاني من الخوف و البرد و التعب.. هاجمتني الحيوانات المفترسة تريد أن تنهش جسدي. (ينظر إلى جسده) جسدي الذي لم يتبق منه سوى العظام. كنت أحس بلحظات من الرعب و الفزع، و أنا أرى عيونهم و أنيابهم، عندما كانوا يهاجمونني و أنا في القفص. (ينادي من جديد) ألا تسمعين ؟ أنت تنامين في كوخك المحصن مرتاحة، و في النهار تأكلين و تشربين أمامي. (يحدث نفسه) ترى كم من الوقت مضى على وجودي في هذا القفص.. أشعر أنني مسجون هنا منذ مئات السنين. (يتجه نحو الكوخ) و هذه السافلة لا تريد أن تحررني. لماذا لا أحاول ذلك بنفسي... يجب أن أهرب و إلا سأموت هنا. إذا لم تأكلني الحيوانات.. سوف تأكلني هي. و في احدى لياليها المجنونة ستشويني كأرنب فوق نار متوهجة، ثم ترقص حولي رقصة النار.. و عندما أصبح محمراً، مقمراً. ستبدأ احتفالها الوحشي و تأكلني. و لكنني لن أسمح لها بأن تفعل ذلك‏‏

(من جديد يمسك بالقضبان.. يضربها بيديه و رجليه..يدفعها بقوة. يحاول أن يبعد بيديه قضيبين عن بعضهما و يصرخ مثل الأبطال الأسطوريين... مما يجعل المرأة تستيقظ، فتدفع بقدمها و تخرج من الكوخ، فتبدو امرأة جميلة، شبه عارية.. تشبه نساء القبائل البدائية. تبدو مثيرة بشكلها و هي تتمطى وتصدر أصواتاً مما يدل على أنها قد نامت بشكل جيد. فتقترب و تأخذ السوط الموضوع بجانب القفص. ثم تدور حوله، و هي تراقبه بعينين شرستين.. بينما هو يلتم على نفسه خوفاً من ردة فعلها)‏‏

المرأة : ماذا تريد.. لماذا تصرخ ؟ هل تريد أن تخرج ؟‏‏

الرجل : أتمنى ذلك.. إذا كنت تسمحين لي.. !‏‏

المرأة : و لكن لماذا ؟ ألا تعجبك الحياة هنا، في هذا القفص. هكذا.. أنا أحميك.‏‏

الرجل : من أي شيء تحمينني.؟!‏‏

المرأة : (تغضب تضرب القفص بالسوط.. فيتراجع الرجل) أيها الحقير..‏‏

لو تركتك خارج القفص مقيداً لأكلتك الحيوانات المفترسة.‏‏

الرجل : ياليتك فعلتِ.. الموت أهون من هذا السجن فوق هذه التلة الجرداء.! في هذا العراء لماذا لا تدعيني أذهب إليها.؟‏‏

المرأة : (بحزم) لن أدعك تخرج من هنا سالماً.. لن أدعك تذهب إليها.‏‏

الرجل : (ينظر باتجاه المدينة و قد نسي المرأة تماماً) هذا الصباح سوف تنتظرني..‏‏

هناك في المدينة منذ أيام و هي تنتظرني. كم أتمنى أن أفاجئها و أقول لها صباح الخير فتفرح بعودتي، لكنها حين تراني على هذا الحال ستسألني..أين كنت ؟‏‏

(يبتسم لها و كأنها أمامه) سأجيبها و أقول.. هكذا يحدث لي, عندما لا أنام في سريري.!‏‏

‏‏

المرأة : (تدور حول القفص و تضربه بالسوط فيتوقف عن الكلام) قلت لك ألف مرة أن تنسى تلك المرأة.‏‏

الرجل : حسناً ... سأنسى و لكن بشرط.‏‏

المرأة : و ما هو هذا الشرط ؟‏‏

الرجل : أن تخرجيني من هذا القفص.‏‏

المرأة : (تهدأ و تفكر) دعني أفكر في الأمر (تذهب إلى الكوخ)‏‏

الرجل : إلى أين تذهبين ؟‏‏

المرأة : سأحضر بطيخة، لكي أفطر.‏‏

الرجل : (بدهشة) بطيخة ؟!.. حمراء أم صفراء ؟‏‏

المرأة : (تضحك و هي تدخل الكوخ) حمراء بلون الدم.‏‏

الرجل : (يبقى وحيداً و هو ينظر إلى المدينة. يضرب القفص بكلتا يديه بعصبية) لا فائدة سأبقى هنا مسجوناً إلى الأبد.. و سأموت هنا إذا لم أفكر بطريقة جديدة.‏‏

(إظلام)‏‏

المشهد الثالث‏‏

(تخرج المرأة من الكوخ،و هي تحمل بطيخة حمراء بيدها. تجلس أمامه تكسرها بضربةٍ واحدة بيدها. فتنقسم إلى قسمين. ثم تبدأ بأكل البطيخة بطريقة وحشية)‏‏

الرجل : (يغازلها بنعومة) أتعرفين. أنت امرأة قوية جداً.. و جميلة، و أنا معجب بك.‏‏

المرأة : (تتوقف عن الأكل و تمسح بيدها فمها الذي تحول إلى بقعة حمراء.وقد أثارها كلامه) معجب بي ؟! ماذا يعني هذا الكلام ؟‏‏

الرجل : يعني أنني لا أريد أن أرحل و سأبقى معك.‏‏

المرأة : (تتوقف تماماً عن تناول البطيخ) تبقى معي ؟! تعيش في هذا الكوخ ؟.‏‏

الرجل : و سنتزوج و ننجب أطفالاً.‏‏

المرأة : (تنهض) نتزوج ؟! ألن تقطع هذه السهول لتصل إلى المدينة التي تحبها.؟‏‏

الرجل : كلا.‏‏

المرأة : و ستنسى المرأة التي تنتظرك و التي كنت تتحدث عنها طوال الوقت.‏‏

الرجل : سأنسى. فقط حرريني من هذا السجن و سوف ترين.‏‏

المرأة : (تتغير ملامحها و تصبح وديعة و ناعمة و محبة. تقترب من القفص و تمد يدها تمسك يديه، ثم تلامس وجهه بحنان) أتعرف.. كنت أنتظر أن أسمع هذا الكلام‏‏

طوال حياتي. لو قلت لي هذا الكلام منذ البداية، لما فعلت بك ما فعلت (تبكي) لقد سببت لك عذاباً أليماً في الأيام الماضية.‏‏

الرجل : لا بأس يا حبيبتي..سأنسى كل ذلك و سنبدأ من جديد سنزرع هذه التلة و الأرض اليابسة التي تحيط بنا سنحول المكان إلى جنة.. نأكل و نشرب، و ننجب أطفالاً كثر وهذا الكوخ سنجعل منه قصراً كبيراً. حتى يعيش فيه أولادنا. ثم يتزوجون، و ينجبون لنا أحفاداً جميلين يشبهونك قوةً و جمالاً.‏‏

المرأة : (تكاد تطير من الفرح) يا إلهي لا أصدق ما أسمع. حالاً.. حالاً سأفتح لك القفص (تخرج المفتاح من صدرها و تفتح القفص) أخرج يا حبيبي.. أخرج.. تفضل إلى كوخك. إلى جنتي.. يا حبيبي (تحاول أن تعانقه. و بحركة مباغته يخرج هو و يضعها في القفص، يقفل عليها باب القفص بسرعة فائقة بالمفتاح نفسه) ماذا فعلت ؟! ألم تكن صادقاً بكلامك.‏‏

الرجل : بلى.كنت صادقاً.. و لكن سنتبادل الأدوار قليلاً.(يتجه إلى الكوخ)‏‏

المرأة : إلى أين تذهب ؟‏‏

الرجل : سأجلب بطيخة كي أفطر.‏‏

المرأة : (وهي في حالة ذهول) بطيخة ؟! صفراء أم حمراء ؟‏‏

الرجل : (يضحك و هو يدخل الكوخ) و هل هذا سؤال..طبعاً حمراء.. بلون الدم. !!‏‏

(الرجل يدخل إلى الكوخ، أما المرأة فتنظر باتجاه المدينة)‏‏

(إظلام)‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية