هو أبو القاسم شرف الدين عمر بن الفارض، أحد أعمدة التصوف الكبار في التاريخ العربي. ولد في القاهرة عام 1182 ميلادي، في أسرة ميسورة. عاشر باكراً المتصوفة، وآمن بأفكارهم وبطريقة عيشهم، فأصبح يعتكف في الجبل المقطم لأيام متواصلة. ذهب إلى مكة ومكث فيها خمسة عشر عاماً، وفيها انقطع إلى العبادة وكتابة الشعر.
اشتهر ابن الفارض بأنه يدخل في غيبات طويلة، فلا يستطيع سماع أو رؤية أحد. يجلس لعدة أيام، من دون طعام أو شراب، وأحياناً يبقى لمدة أربعين يوماً متواصلة، صائماً وغارقاً في ذاته. وقيل إنه كان يكتب الشعر في أثناء الغيبات.
إن طبيعة الموضوع الصوفي هي التي سيطرت على شعر ابن الفارض، وكلها تدور في الحب والخمر. ولا يهدف شعره في الحب الإلهي سوى إلى محبة الله. وقد نقل صورة هذا الحب بلغة تمثل العاطفة البشرية، لأنه لا يمكن إيصال هذه الصورة إلى الناس إلا بهذه الطريقة.
ذاع صيته وارتفعت منزلته، وأطلق العارفون عليه لقب (سلطان العاشقين)، أي أن مرتبته في العشق الإلهي بين المتصوفة كانت رفيعة للغاية.
جمعت أشعار ابن الفارض في ديوان صغير ضم ألف وثمانمائة وخمسين بيتاً، فيه قصيدتان، الأولى هي التائية الكبرى والثانية هي التائية الصغرى. وفي التائية الكبرى يبدو ابن الفارض متصوفاً أقرب إلى أصحاب (وحدة الشهود).
قال عنه الدكتور أبو العلا عفيفي إنه أحد أقطاب العاشقين الإلهيين وأعظم شاعر صوفي في اللغة العربية على الإطلاق، وإنه كان لاجتماع مزاجي الشعر والتصوف في شخصيته قدرة عجيبة لا نجد لها مثيلاً إلا عند متصوفة شعراء الفرس أمثال عبد الرحمن جامي وجلال الدين الرومي.
عرض ابن الفارض وجهة النظر الصوفية عرضاً شعرياً ماهراً، وقد اعترف له ابن عربي بأن تائيته تحتاج إلى شرح لما لها من قيمة فلسفية صوفية، ولما حملته من عمق صوفي تمثل في وحدة الوجود.
توفي ابن الفارض عام 1235 عن عمر ثلاثة وخمسين عاماً، قضاها غارقاً في التعبد والتقشف والزهد، للوصول إلى المحبة الإلهية الخالصة.