و يبدو أن الدراسات النقدية الحديثة خاصة تلك التي تبحث و تدرس الحداثة وما وراءها أصبحت معنية وبشكل متعاظم بهذا الإشكال النقدي و ذلك في ربط أنشطة الرؤية و النظر و المشاهدة بحقول معرفية و فنية عدة منها ( الأدب و الفنون و ألعاب الفيديو و العلاج البدني و النفسي بالصورة و كل ذلك في برنامج عمل مرهق متعدد الأبعاد و متنوع المجالات .
و ما يهمنا اليوم و نحن نواجه تيارات و إشكالات الحداثة و العولمة و الفضائيات هو ثقافة الصورة ما بعد الحداثة ويظهر من خلال الصورة الفنية ان الشاعر مثلاً يستطيع أن يصل إلى انطباع موحد واحد مباشر عن طريق الوسائل الفنية التي يستخدمها كذلك الفنان التشكيلي فيكون الشعر هنا صورة ناطقة و بالموازنة الدقيقة بين الصورة الشعرية و الصورة التشكيلية نجد أن هناك توازناً بين الشكل المكاني في الفن البصري و الأدبي هذا التوازن الذي يؤدي إلى تأكيد الاهتمام بالتفاصيل البصرية بدرجة تبدو شبه مرضية و على تقوية عملية الانتباه للتأثيرات التي تحدث على السطح و التي يمكنها أن تؤدي إلى تفضيل اللون على الشكل كما في المدارس الانطباعية في الفن التشكيلي.
و هناك أيضاً دراسات ( إشكالية ) جديدة حول حقول الشعر البصري الذي أخذ به الناقد المصري شاكر عبد الحميد إلى نحو بعيد في فضاءات الشعر الإغريقي و اقتباس نصوص ذات اتجاهات دينية, و المعروف عن الشعر الديني الإغريقي مستويات القراءة الأفقية و العمودية و لا أعرف ماهي هذه القراءة العمودية و الأفقية التي يقصدها بعض الباحثين الانتربولجيين الذين اقتبسوا روايات عالمية ذات الوعي البصري و التي تسمى بالروايات الشيئية و التي تهتم بعوالم الأشياء الواقعية من عوالم الحواس و الإدراك, حيث تلعب حاسة البصر دورًا كبيرًا و مهيمناً, خاصة في الوصف التفصيلي للأشياء في القصص الشيئية كأن الهدف منه هو الإيحاء بصورة بصرية للأشياء من خلال السرد البصري المكثف. و في مكان آخر يرى بعض الكتّاب ان ثمة سرد طويل لأراء و أقوال جملة من الشعراء الأوروبيين و الأمريكيين في مهمات إيضاحية لإنجازات النص البصري القائم على تأسيس واعٍ للعمل الفني بطريقة حرفية ( عين الكاميرا ) و ( عين الفن ) و أبراز عدة صور توضيحية حول نشاطات المخ وظائفه و دور هذه النشاطات في التعريف بالمجازات اللغوية و المجازات الصورية بوصفها ظواهر بصرية خالصة.
لكن باحثاً أخر هو تشارلز لوبرتون في استطراده الطويل حول الصورة في الأدب و الشعر لا يغيّب أبدًا الدور الوجودي للقيمة الجمالية لهذه الصورة و ذلك عبر اللقطة التشكيلية أو على حسب كلامه محاكاة الواقع البصري في أنشاء إشكال تمثيلية خدمت الأهداف المرجوة في المجتمع الإنساني, ولورجعنا إلى المجتمعات القديمة في مصر القديمة سنجد أن الصورة التشكيلية في تلك الفترة كانت تصور المكان والحجم والضوء وبطرائق مختلفة تماماً دون أن يكون هناك نظام تكنيكي ذات صياغات فنية مدروسة لكن كانت هناك ثقافة نظرية في تصوير الجسد الإنساني في أكثر حالاته اكتمالاً .
حتى في المسرح فأن الباحث هوربيت ريد يثير مسألة في غاية الأهمية حول الصورة و المشهدية و الأداء و المثيرات الحسية و البصرية
و السمعية و غيرها و تكمن أهمية هذه المسالة في الحساسات المثيرة ذات المعنى كمستويات الذاكرة وأفاق الخيال والتلاعب بانتباه الجمهور عبر المزج الخاص بين الصورة والحركة والصوت والإضاءة. ويظن الباحت أن الحركة هي أهم المثيرات الحسية مع أنواع مصاحبة للصورة كالحركات الضمنية والحركات الآنية والمتزامنة والحركات السريعة اوالمتسارعة والبطيئة ثم الحركات المفاجئة وكل هذه الحركات تحدث وفق التدفق الطبيعي للمشهد أو( الصورة ) فعندما يتغير المشهد يظل هناك نوع من الحركة وتحدث عملية أختلال في التوازن البصري بسبب عدم إشباع النظر أو المشاهدة للمشهد السابق. و يتساءل الباحث في مكان أخر من الكتاب عن أهمية وجود المسرح كمادة خصبة للمشاهدة أو حسب قوله ( للصورة الحركية ) و التي تقوم على تحويلا ت صورية ( المشاهدة و الفرجة ) و تحولات لغوية ( حوار ) و يقول الباحث أن الكلمة في المسرح تراجعت كثيرًا بسبب تقدم الحركة و الصورة و أصبح المسرح مزيجا من المسرح و الموسيقى و السينما و التلفزيون و تداخلت الحدود بين الرسم و التصوير و المسرح أيضاً.
و هكذا فأن عصر الحداثة و ما وراء الحداثة بسلبياته و إيجابياته يحاول الاحاطة بكثير من جوانب حياتنا الإبداعية و الفكرية في تجربة الغوص في بحر من إشكاليات التفكير و الإبداع الإنساني.