فسارع اللوبي اليهودي المتمثل في «إيباك» إلى اتخاذ موقف الهجوم لمجرد تعرض «إسرائيل» للضغوط والانتقادات بسبب سلوكها وأفعالها الخارجة على القانون بحق الفلسطينيين.
وقد نجح «اللوبي» في اقناع الغالبية المطلقة للكونغرس الأمريكي بتوجيه رسالة إلى الرئيس أوباما تطالبه بوقف الإشارة في أحاديثه، تصريحاته الصحفية عن نتنياهو كما طالبت الرسالة بأن يحض الدول العربية على التطبيع مع «إسرائيل» لإعادة الثقة بين الجانبين العربي والإسرائيلي.
وقد استجاب سيد البيت الأبيض لهذه المطالب لكنه لم يتراجع عن الدعوة لتجميد الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وهو ما يرفضه نتنياهو مشترطاً أن يكون التجميد محدوداً زمنياً في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر مقابل تطبيع عربي مع دول كانت تقيم ممثليات تجارية في كيانه العنصري.
والمثير للاهتمام في هذا الإطار أن أي طرف لم يتفوق على الكونغرس الأمريكي، فقد ظل هو الأعلى صوتاً ضمن من تصدوا للهجوم على منتقدي إسرائيل وهو يبرر الاعتقاد الراسخ لدى البعض بأن الكونغرس الأمريكي هو «مستعمرة صهيونية» بحق، وهذا ليس بغريب إذ إن 90٪ من مرشحي الكونغرس يتبنون خدمة إسرائيل وتحقيق رغبات أحزابها بعد أن تكون أموال الـ «الإيباك» واليهود تحت شروط معروفة.
فاللوبي اليهودي أقدر ما يكون على خدمة المصالح الإسرائيلية من خلال موافقة الكونغرس على بياض مع متطلبات «إيباك» في ديمقراطية الانتخابي الواحد، حيث من المعروف أن تبرعات اليهود السخية في انتخابات الرئاسة قادرة على ترجيح كفة أحد المرشحين وإيصاله إلى البيت الأبيض وباراك أوباما لا يستطيع تعيين موظف في إدارته ما لم يحظ بموافقة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية.
وخير مثال على سيطرة «إيباك» على السياسة الأمريكية تجاه المنطقة اسقاط حكومة أوباما جميع التهم الموجهة ضد اثنين من أعضاء لوبي «إيباك» السابقين وهما «ستيفن روزين» و «كيث دايزمان» اللذين كانا يتجسسان لمصلحة إسرائيل تحت ذريعة أنهما كانا هدفاً لفخ حيث قدمت لهما معلومة مزيفة وعودة مارتن انديك ودينس روس إلى الساحة الشرق أوسطية بعد دورهما الإسرائيلي في عهد بيل كلينتون وجورج بوش ولا سيما في العراق وفلسطين ولبنان.
تأتي قوة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة من المال والشركات المتعددة الجنسيات ومن السيطرة على الإعلام ومراكز الأبحاث واختراق المؤسسات وممارسة سياسة «الصدمة والرعب» بحق الكونغرس والرؤساء في أي وقت من النهار أو الليل واسقاط كل من يتجرأ على توجيه النقد إلى «إسرائيل» وإلا فكيف سيتسنى للوبي اليهودي دفع أعضاء مجلس الشيوخ والنواب إلى التصويت لمصلحة مطالبهم دون نقاش أو التوقيع على بياض.
وهنا لم يعد من المستغرب أن يعجب زعيم الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي سيتي هوير الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منتظراً تحقيق أمور إيجابية في ظل قيادته زاعماً أن البناء في القدس يختلف عن الاستيطان في الضفة الغربية رغم أن هذه الرواية حول القدس لا تنسجم مع القرارات الدولية التي تعتبر القدس جزءاً من الضفة الغربية المحتلة.
لا شك في أن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفوذاً خطيراً داخل أروقة المنظمات الإسرائيلية-الأمريكية وداخل الكونغرس وداخل البيت الأبيض نفسه وإلا فما معنى أن تقوم قيامة «الإيباك» في الثاني عشر من آب الجاري على الرئيس أوباما لمجرد منحه «ميدالية الحرية» لماري روبنسون أول رئيسة في إيرلندا ومدافعة مشهورة عن حقوق الإنسان المتهمة إسرائيلياً بالانحياز ضد الكيان الصهيوني لترؤسها المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية الذي عقد في دوربان بجنوب إفريقيا عام 2001.
رئيس المعهد اللوبي-الأمريكي بواشنطن جيمس زغبي علق على منتقدي روبنسون ورفع حدة خطابهم العقيم بالقول «رغم شراسة التعليقات والألم الذي سببه ذلك دون شك لروبنسون إلا أنني على يقين بأن المستهدف بهذه القضية المفتعلة أوباما أكثر من روبنسون، فالهدف المقصود ليس سحب ميدالية وإنما إرسال رسالة استياء وامتعاض إلى أوباما على خلفية ضغطه المستمر على «إسرائيل» لتجميد الاستيطان.
ويبدو أن «الإيباك» تعتقد أن الهجوم على روبنسون طريق أسلم وأكثر أماناً لتوصيل رسالة إلى أوباما بدلاً من مهاجمة القس جنوب الإفريقي ديزموند توتو الذي منح هو الآخر «ميدالية الحرية» ذلك أن «توتو» معروف بانتقاداته اللاذعة لإسرائيل حيث يشبه سياساتها في الأراضي المحتلة بنظام «الأبارتيد» خلافاً لروبنسون التي عبرت فقط عن قلق عام بشأن الحقوق الفلسطينية.
هذا هو الهدف الحقيقي من وراء كل هذه الضجة المفتعلة -ليس قلقاً بشأن الانحياز ضد «إسرائيل» وإنما ضربة لأوباما، ووضع حد لمحاولاته في السعي لتحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة.