تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في زهرة العمر

آراء
الخميس 28-6-2012
حنان درويش

في ظلمة ليل الجهل انبثقت نجمة ومن الصمت المزنر بألف ستر وحجاب دوى صوتها صرخة احتجاج تطالب المرأة بصحوة ترقى بها إلى مصاف الرجل، وبنهضة تعطيها حقوقها المهدورة في التعليم وإبداء الرأي

جاءت ملك لزمن كانت المرأة فيه راتعة ضمن غيهب جهلها، قانعة بواقعها المر لا تفكر بتغييره، سعيدة في خدرها الصغير المقتصر على تدبير أمور المنزل، وقد حباها الله بوالد قدوة هو- حفني ناصيف- رجل سياسة وعلم ودين، يشتغل بالقضاء والتعليم، ويستزيد من العلم في مصر وخارجها، كان تلميذاً لجمال الدين الأفغاني، وصديقاً حميماً للشيخ محمد عبده، فكان لابنته نعم الأستاذ والمشجع، ترى به الرمز والمثال والقدوة في القراءة، حيث شغفت بشعر المراثي، وأولعت بشخصية المتنبي، وداومت على حفظ أشعار البحتري وشوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم من قدامى ومحدثين.‏

مما أكسبها ملكة القريض، فكانت الجرائد تنشر ما تكتب منذ صغرها، وقد أبدت تلك الفتاة الصغيرة مبادرات مبكرة عجز عنها الكبار، فلم تكن تزور بيتاً من بيوت معارفها إلا وتبدأ بإقناع الأهل من أجل إرسال البنات إلى المدرسة، على أن ترعاهن هي ، وتساعدهن مادياً ومعنوياً.‏

وكان الأدباء يقتنعون برسالتها كمعلمة وشاعرة وإنسانة إنه الصنيع المثالي، أن تقوم واحدة مثل ملك حفني ناصيف ضمن الظروف الاجتماعية والسياسية القاسية، بإنشاء جمعيات واتحادات نسائية،فقد أسست: اتحاد النساء التهذيبي وجمعية التمريض التي شكلت نواة لتأسيس الهلال الأحمر، كانت هذه الجمعية ترسل الأغذية والأدوية والملابس والأغطية إلى الجهات التي تحتاجها.‏

إن كل ما قامت به ملك هو دعوة صارخة لخروج المرأة من خدرها، والمشاركة بشكل فعال في بناء الحياة الحقيقية والمتكاملة.‏

ومن قصيدة لها تعري فيها الواقع القائم آنذاك:‏

أيسركم أن تستمر بناتكم‏

رهن الإسار ورهن جهل مطبق؟‏

تتنقلون لمنتدى من قهوة‏

ونساؤكم في ألف باب مغلق‏

وعندما تزوجت ملك، انتقلت وزوجها إلى بادية والفيوم كانت هناك الأعراب تعيش عيشة بدائية.... لا علم... لا نظافة محكومين بسادات كانوا سعداء بجهالة العامة، وبدأ كفاح ملك هناك لإرسال البنين والبنات إلى بعض المدارس للتعلم، كما أخذت تعتني بصحة الناس وملبسهم وتغذيتهم حتى ارتفع مستواهم، وأصبحت المنطقة من أكثر مناطق الريف مدنية خلال أحد عشر يوماً، فلا عجب إذاً أن يقول فيها شاعر كحافظ إبراهيم:‏

سادت على أهل القصور‏

وسودت أهل الوبر‏

وقد جاء لقبها بباحثة البادية عن طريق نضالها المستميت هناك.‏

توفيت ملك حفني ناصيف عن عمر لا يتجاوز الثانية والثلاثين...‏

لكن العمر القصير كان حافلاً بالعطاء أكثر، والريادة في رد اعتبار النساء، وتحسين حال الأسرة، وتعليم الفتيات وقد رثاها الشاعر خليل مطران قائلاً:‏

يامن زوت في زهرة العمر‏

ما أقسى الردى في زهرة العمر‏

رحلت ملك... ذهبت باكراً، ولم ينتظر الزمان مديداً، ولو فعل، لكانت هي قد فعلت المعجزات.‏

قدوة أنت أيتها الساكنة مدارات المطر لكم هو جميل ورائع أن نتمثل سلوكك وكبرك وعظمتك وأدبك وصنيعك وفعلك وخلقك وخصالك ونضالك، لكم هو جميل ورائع لو اندفعنا جميعاً للعمل من أجل العمل بحد ذاته، لقد كانت ظروف شاعرتنا ظروفاً عقيمة، ومع ذلك فقد تحدت المآسي والمعاناة والأيام الصعبة، وأعطت دون حدود، متسلحة بأخلاقها وتربيتها وإيمانها بمبدئها، من أجل أن تبقى صورة المرأة العربية مشرقة على الدوام.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية