فلقد جاء أوان فتح الدفاتر العتيقة معهم، ومحاسبتهم على كل طلقة خرجت من بنادقهم صوب المحتل الصهيوني منذ النكبة عام 1948 إلى انقلاب الصورة في تموز عام 2006 في شعاب الجنوب اللبناني، مروراً بكل الحروب التي أخفقت والحروب التي حالفها الفوز، من قاهرة المعز وهيبتها، إلى دمشق الأمويين وحرارة العروبة في نبضها، إلى بغداد العباسيين ومجدها التليد، تلك هي العواصم الناشزة التي حملت فلسطين في قلوب ضباطها وجنودها وملايينها من العرب، وتمردت على المشروع الأميركي ـــ الصهيوني القديم الجديد، فلم تذعن للاحتلال ولم تخذل عروبة فلسطين، فاستحقت اليوم إعلان الحرب عليها من جبهة كونية تبدأ بالرياض والدوحة واسطنبول، وتنتهي في واشنطن ولندن وباريس، وتل أبيب واسطة عقدها .
حان اليوم إذاً موسم القطاف، بعد أن اكتملت أنساق المد الإرهابي الذي أعلنت ولادته قبل ربع قرن في شعاب أفغانستان على يد القابلة السعودية الأميركية، وبات اليوم في عقده الثالث مستميتاً في الانقضاض على حواضر العرب تحت راية كاذبة وشعار كاذب ينسبه إلى الإسلام زوراً وبهتاناً، ثم يضرب جوهر الإسلام في الصميم وهو يدمر المدن ويقتل البشر ويحرق الشجر، بمال خليجي حرام، ورعاية عثمانية فاضحة، وسلاح أميركي حديث، وتدريب لم يغب الجنرالات الصهاينة يوماً عن معسكراته مادامت الحرب هي حربهم، وغلالها ستتساقط في أيديهم.
تحت دخان هذه الحرب المستعرة، يتقدم الأميركي جون كيري حاملاً في حقيبته عقد الإذعان للفلسطينيين، بعد أن صار ظهرهم العربي مثخناً بالجراح، وبعد أن أكل الاستيطان نصف ما تبقى من ضفتهم الغربية، وشاخ أسراهم في سجون الاحتلال دون نصير، وخلف كيري يصطف عاهل هنا وشيخ هناك من أقزام الحكم في الخليج، ليباركوا هذه اللحظة التي ستسعفهم في إخراج فلسطين من سوق التداول، ليعلنوا حلفهم الجديد مع حاخامات بني صهيون بعد أن ملَّ الانتظار في الخفاء منذ عقود، والآن وقد خليت لهم المنابر والساحات ولم تعد ممانعة دمشق والقاهرة وبغداد تقوى على لجمهم، فسيتدفق مالهم ونفطهم وغازهم في شرايين الاقتصاد الصهيوني، ويفتحون أسواقهم للمستثمر الصهيوني بحثاً عن التكامل الذي حان أوانه وأزف وقته!
وهمٌ في وهم، كل ما يمكرون ولو ساندتهم كل قوى الأرض، فحواضر العرب التي تنزف اليوم قوية في ممانعتها وهي تعصب جراحها، والحرب عليها في طريق مسدود، وأنساق التكفير والإرهاب في طور هزيمتها الأخير مهما تدفق السلاح على مخازنها، والجيوش التي هزمت جنرالات تل أبيب في تشرين 1973 كفيلة بهزيمة أدواتهم اليوم من مدمني القتل والتدمير، والوجدان الفلسطيني مازال ينبض بالمقاومة ومن خلفه حلف المقاومة المتين، ومن أجل ذلك فعقد الإذعان في حقيبة كيري لن يلقى فلسطينياً يوقع عليه، وموسم القطاف الكاذب في نهاياته، فصبر ساعة ثم تنقلب الصورة ويظهر الحق!