تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«الثورة» و«الثوار »

السبت 16-3-2013
بقلم: العميد مصطفى حمدان *

ما اكبر كلمة ثورة وما اكبر الثوار .عندما تثور جماعة على سلطة ظالمة اوعلى حكم جائر او على احتلال غاشم يعني انها ترمي الى قلب الاوضاع الظالمة واحلال مبادىء ونظم جديدة تحقق للجماعة مطالبها في الحرية والعدالة والمساواة

و يعني انها سوف تقدم التضحيات والشهداء للوصول الى غايتها.‏‏

لكننا اليوم امام مشهد انتحال لصفة الثورة ولصفة الثائر تقوم به جماعات ابعد ما تكون عن المبادىء النبيلة لاي ثورة .يشهد العالم العربي اليوم ما سمي بالربيع العربي او بالثورات العربية وقد تهيأ للبعض ان هناك فعلا ثورة وثوارا لكن مسار الاحداث اظهر ان الثوار الحقيقيين كانوا قلة غير فاعلة وان الاكثرية كانت بعيدة عن اي مفهوم ثوري.‏‏

هناك شروط يجب توافرها في اية ثورة واهمها:‏‏

1- السلطة الجائرة :حيث تكون السلطة ظالمة في توزيع الثروات في البلاد ومتهاونة امام اعداء الامة وقامعة للحريات وترهن البلاد لقوى ودول خارجية ولا تؤمن الفرص لجميع المواطنين وتميز بينهم على اسس العقيدة او الطبقة او العشيرة او العرق او الطائفة اوغيرها .هذه الصفات تتوافر في العديد من الدول العربية بنسب متفاوتة لكننا رأينا ما يسمى بالربيع يحدث في بلدان ويغيب في اخرى .هذا الامر طرح تساؤلات وشكوكا حول الاحداث التي حصلت مؤخرا.‏‏

2- العقيدة الثورية :وهي اما عقيدة سياسية او دينية اواجتماعية ترمي الى فرض قيمها ونظمها على المجتمع بعد استلام السلطة لتحقق بذلك الاهداف المرسومة في العقيدة .ومن الشروط الاساسية ان تكون هذه العقيدة معلنة ومعممة بشكل واضح وشفاف وان لايكون هناك كيد او اخفاء وتحايل من اجل استخدام مفهوم سياسي او ديني كمبرر للحصول على السلطة .ومن مظاهر اعلان العقيدة توافر الكتب والمقالات والدراسات والمفكرين الذين يروجون لها في السياسة والمجتمع .‏‏

3- القيادة الثورية :وهي قيادة واضحة ومعروفة لها جمهورها وحزبها وعقيدتها السياسية ووسائل الاعلام والنشر لفكرها ولمواقفها السياسية.‏‏

لكي نفهم بوضوح ما سمي بالثورات العربية الاخيرة علينا ان نبحث في تطابق شروط الثورات مع الواقع الراهن العربي.‏‏

في حالة السلطة نجد ان السلطة في مصر كانت متهاونة امام العدو الاسرائيلي واظهرت عداءها للقضايا الوطنية والقومية لقد استقبل مبارك وزيرة الخارجية الاسرائيلية قبل عملية الرصاص المسكوب التي شنها العدو الاسرائيلي على غزة والتي ادت الى استشهاد نحو 1200 فلسطيني وتدمير عمارات سكنية وخدمية وبنى تحتية في قطاع غزة .ومع ان العدوان فشل, الا ان موقف مصر البلد العربي الاكبر كان متخاذلا مع العدو الاسرائيلي ولم ينصر الشعب الفلسطيني الشقيق.اما موضوع الغاز فقد باعت مصر مبارك الغاز المصري لاسرائيل بسعر رمزي يبلغ نحو 10 % من السعر الرائج عالميا وهي بذلك حرمت المواطن المصري ,الذي يعاني من ضائقة اقتصادية, من عائداته الوطنية لمصلحة العدو . كان الفساد مستشريا في مصر وفضائح التلوث الطبي وسقوط العمارات والعبارات والخلل في سكك الجديد تدل على عمق الفساد فضلا عن تردي مستوى المعيشة بحيث يعيش نحو نصف الناس تحت خط الفقر.‏‏

في تونس كانت هناك مشاكل اجتماعية وفقر انما اقل من مصر وكان بن علي ينتهج سياسة متخاذلة وافتتح مكتبا تمثيليا للعدو الاسرائيلي واشيع ان له اصابع في مقتل القائد الفلسطيني ابوجهاد .كان النظام التونسي قمعيا ظالما ضد كل المعارضة السياسية.‏‏

ماذا حصل؟ تولى الاخوان المسلمون الحكم في كلا البلدين .في تونس توقفت السياحة وتدهور الاقتصاد وذهب زعيم حركة النهضة راشد غنوشي الى واشنطن واجتمع باللوبي الصهيوني في مؤسسة بروكنغز حيث تعهد بالغاء وصف اسرائيل بالعدو في القوانين التونسية.‏‏

في مصر دمرت حكومة الاخوان المسلمين الانفاق بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية ومازال الحصار مفروضا على غزة وهناك قيود على حركة الافراد والبضائع .ما زال الغاز المصري يضخ بالسعر نفسه الى اسرائيل.استقبلت مصر وفدين اسرائيليين واعادت سفيرها الى اسرائيل مع رسالة محبة واحترام من محمد مرسي الى شيمون بيريز في الوقت الذي سحبت الحراسة عن ضريح القائد الخالد جمال عبد الناصر .ازدادت الازمة الاقتصادية وانتقل الفساد من فئة الى اخرى .‏‏

خلال عدوان تشرين الثاني 2012 على غزة تباهى الاخوان المسلمون في مصر انهم توسطوا بين حماس والعدو الاسرائيلي بدلا من ان ينصروا شعب غزة اليس هذا ما كان يفعله مبارك؟.كما يسعى خيرت الشاطر الى رهن البلاد الى صندوق النقد الدولي والامساك بالاقتصاد .لم يتغير شيء في مصر. كامب ديفيد لم تمس السفير عاد الى اسرائيل ,القمع زاد, الاقتصاد تدهور, الفساد ما زال مستشريا حتى دخلت مصر كلها في نفق مظلم بسبب سياسات الاخوان المسلمين .لا يبدو ان هناك اثر لثورة او ثوار في مصر ولا مبادىء او عقيدة ثورية او قيادة ثورية بل فقط تسلط ومكاسب وهيمنة .‏‏

لنتذكر هنا ثورة الضباط الاحرار ثورة جمال عبد الناصر وتأميم القناة والاصلاح الزراعي وتوزيع الاراضي على الفلاحين (والد الرئيس مرسي نال خمسة فدادين ساعدته على تعليم ابنه) وحملة التصنيع والسياسة القومية ومناهضة الاستعمار. انهم يحاولون تشويه تاريخ مصر الناصرية المشرق دائما.‏‏

في سورية نبحث عن ثوار فلا نجد .النظام اجرى اصلاحات واسعة ,الغى الدستور القديم واعد دستورا جديدا واجرى استفتاء عليه واصدر قوانين اصلاحية للانتخاب والاحزاب والاعلام ,بالاضافة الى ان الرئيس الاسد استقبل وفودا من كل المحافظات واطلع على هواجس الشعب وكانت جلسات مصارحة حضرها وحيدا من دون مستشارين ولا وزراء.كان الشعب السوري يتمتع بتقديمات هامة فالتعليم والطبابة مجانيان والسكن زهيد ووسائل النقل العامة متوافرة وتكاد سورية الدولة الوحيدة في العالم التي ليس عليها ديون خارجية.فضلا عن ان السياسة السورية هي مقاومة للعدوالاسرائيلي وهي داعم كبير للمقاومة اللبنانية والفلسطينية ولحركات التحرر في العالم.الرئيس الاسد رفض املاءات كولين باول عام 2003 بطرد حماس وفصائل المقاومة من دمشق واصر على بقائها وحمايتها رغم احتجاج الاميركيين وتهديداتهم ولم يضعف امام الاغراءات التي قدمت له من اجل التضييق على المقاومة.‏‏

الاحداث السورية بدأت بتظاهرات قامت بها المعارضة مستغلة جمهور المصلين يوم الجمعة ولم تستطع تنظيم تظاهرات خارج اطار صلاة الجمعة .اما مؤيدو الرئيس الاسد فقد قاموا بتظاهرات اكبر وفي مختلف المناطق وكانت المبارزة بالتظاهرات لمصلحة النظام.من هنا كان اللجوء الى الارهاب .لقد قامت المعارضة السورية باكثر من 120 عملية تفجير انتحارية ادت الى مقتل الاف السوريين الابرياء فضلا عن تدمير البنى التحتية وافقار الشعب السوري .فجرت المعارضة خطوط سكك الحديد ومستودعات باصات النقل العام وخلقت مشكلة نقل كما فجرت انابيب نقل النفط والغاز وسببت مشكلة وقود لاول مرة في تاريخ سورية كما فجرت صوامع القمح والمطاحن وشنت حربا على المخابز لتجويع الشعب ومؤخرا قصفت بالهاون ملعب تشرين اثناء مباريات كرة القدم مرتين .‏‏

على صعيد البنية التحتية الصناعية بلغ عدد المصانع المدمرة في حلب اكثر من الف مصنع تم تفكيك بعض قطعها وبيعه في تركيا .اما العمال الذين فقدوا ارزاقهم فقد ارغموا على الالتحاق بتنظيمات المعارضة من اجل تحصيل قوتهم .‏‏

المعارضة السورية تلقت تدريبا وتسليحا من دول معادية تاريخيا لقضايا العرب وتلقت تمويلا خياليا من دول الخليج .يكفي ان نقول ان هذا التمويل دخل الدورة الاقتصادية السورية واسهم في شبه استقرار الليرة السورية التي ارتفعت من 50 الى 100 ليرة للدولار بعد كل هذا الدمار وتعطل الانتاج فيما ارتفع الدولار في لبنان من 3 ليرات الى 1000 ليرة بعد احداث جرت وكانت اقل مما يجري في سوريا .لا شك ان المبلغ خيالي وقد حدده محمد حسنين هيكل ب15 مليار دولار تمويلا للمعارضة السورية.‏‏

ان ما يجري في سورية حرب حقيقية ضد الشعب السوري وضد مصالحه.‏‏

اين اهداف الثورة؟ اين الحرية والعدل والمساواة؟ فصائل ارهابية تقوم بارهاب الشعب السوري وتدمير قدراته من دون رؤية سياسية غير اسقاط النظام . اين اهداف الثورة؟ اين البديل السياسي المطروح امام الشعب السوري؟ النظام قدم دستورا جديدا وقوانين سياسية جديدة تنظم عمل الاحزاب وتعدديتها والاعلام وتعدديته وحريته .اما البديل الذي قدمته المعارضة فهو مجالس تدعي انها شرعية اسلامية وهي بعيدة كل البعد عن الاسلام تنفذ احكام القتل بالناس وفقا لاهواء الشاذين الذين يدعون الاسلام والاسلام منهم براء.‏‏

اين اخلاق الثورة ورأينا اعمال الخطف والقتل للاطفال والنساء وتدمير المعابد الدينية من مساجد و كنائس وتدمير المستشفيات والمدارس وقصف الجامعات وقتل الطلبة و اعمال اغتصاب مشينة بعيدة عن اخلاقنا وعاداتنا وديننا.‏‏

اين قيادة الثورة؟اسماء ارهابيين تسطع في الداخل تهدد وتقتل وتدمر ومجموعة من الانتهازيين في الخارج لا يعرفون سورية ويعيشون في الفنادق على نفقة اسيادهم ويتلقون التمويل مقابل بيع ضمائرهم .من يقود الثورة؟تقودها دول متسلطة اوتوقراطية غيرديموقراطية تقمع حرية شعوبها وتكم افواههم .في احدى الدول التي تدعم المعارضة السورية بل و تقودها بالمال , صدر حكم قضائي على شاعر بالسجن 15 سنة لانه الف قصيدة تعرض فيها للحاكم.هذه الدولة تقود المعارضة السورية ليس الى الحرية والديموقراطية بل الى مثل هذا النظام التعسفي وهذا ما نشهده من ممارسات المعارضة على الارض في الداخل .‏‏

دول ليس فيها دساتير تتحدث عن الحريات وهي تسجن شعبها وفق اهواء الحاكم ,وان وجد دستور فهو يعطي مطلق الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية للحاكم والافضل لو ان هذا الدستور لم يكتب لانه دستور للقرون الوسطى وعصر الانحطاط وليس دستورا لعصر التنوير والقرن الواحد والعشرين .‏‏

دول تقمع حرية المرأة وتمنعها من قيادة السيارة, تريد تحقيق الديموقراطية في سورية .دول تمنع الحريات الدينية وتكفر الاغيار على غرار اليهود الصهاينة, تريد الحرية لسورية .دول تمنع الاحزاب السياسية, تريد الحرية لسورية .دول تمنع التظاهرات بحكم شرعي لانها خروج على ولي الامر, تريد الديموقراطية في سورية . دول تعج بسجناء الرأي, تريد الحرية في سورية.‏‏

هذه هي المبادىء الحقيقية الواقعية المنفذة على الارض للمعارضة السورية قمع لحرية المرأة وللحريات السياسية وللحريات الدينية ولحرية التعبير وللحريات الشخصية وافقار للشعب واذلاله واشغاله بقوته اليومي ومنعه من التفكير في واقع بلاده ومستقبلها.‏‏

في المقابل هذه الدول وتاليا هذه المعارضة تخدم الاهداف الاسرائيلية المعادية .المسجد الاقصى يتعرض للاعتداء ولمحاولة هدمه وهي لا تحرك ساكنا رغم ادعائها الاسلام وتقمع كل تحرك لنصرة الاقصى.‏‏

قامت المعارضة السورية بالهجوم على بعض محطات الرادار السورية في اماكن منعزلة وهي محطات تقنية لمراقبة الاجواء السورية وليست حربية وليس لها عمل في الداخل. دمرت هذه المحطات لتريح العدو الاسرائيلي كما هاجمت بعض كتائب صواريخ الدفاع الجوي وهي مخصصة للرماية على الاهداف الجوية الاسرائيلية فقط من اجل ان تحمي اسرائيل .هل هذا عمل ثوري ام خيانة موصوفة للوطن والمواطنين.‏‏

ايها الاخوة الاحباء.. ان ما يجري في سورية هو حرب حقيقية تحدد معالم مستقبل العالم العربي باكمله .هذا العالم لن يكون صهيونيا ولن يكون تكفيريا ولن يكون ظالما .ستنتصر سورية وسينتصر الشعب السوري لانه على حق والحق اقوى من الباطل والوطن اغلى من حفنة الدولارات .‏‏

لا يوجد في العالم العربي ثوار, انهم ادوات رخيصة بيد اعداء الامة واذا اردنا ان نفتش عن ثوار فالثوار هم الجيش العربي السوري والشعب العربي السوري الذي سيلفظ هذه القلة من بين صفوفه لتعود سورية قوة للعرب وحاميا لقضاياهم العادلة وعلى رأسها القضية الكبرى فلسطين التي تدفع سورية اليوم ثمن تمسكها برفض الاحتلال ورفض الصهيونية والعنصرية .نصر سورية هونصرنا جميعا ونصر للعروبة.‏‏

* أمين الهيئة القيادية في حركة الناصريين المستقلين - المرابطون‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية