تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جــــــــذور أزمــــــــــة «نــاغــورني كــربــاخ»

شؤون سياسية
الأثنين 27-7-2009م
د. ابراهيم زعير

النزاع حول ناغورني كرباخ من أقدم النزاعات في الفضاء السوفييتي السابق، في الألف الأولى قبل الميلاد نزح إليه الأرمن، في عصر القيصر ساردور الثاني.

في القرن الثاني قبل الميلاد، أصبح موقعه على حدود الدولة الأرمينية، وحسب المؤرخين الرومان والإغريق، وقع في الجزء الشمالي الجنوبي لنهر كور.‏

في القرن الأول قبل الميلاد، أطلق عليه اسم «آرخيستن» وكجزء من الدولة الأرمينية، في بداية القرن الخامس الميلادي تغير اسم الإقليم ليصبح «خاتشن» وتحول إلى قلعة يرتاح فيها الأمير ساخل سامباتيان.‏

وأول بعثة أوروبية جاءت إلى الإقليم، كانت في عام 1420، بقيادة الألماني ايوغان شيلدبيرغر، الذي أدهشه جمال الطبيعة فيه، واعتبره من أهم أجزاء الأرض خصوبة وجمالاً وصحة.‏

وأول من أطلق عليه تسمية «كرباخ» كما جاء في الموسوعة الجورجية للقرن الرابع عشر الميلادي لـ «كارتليس تسيخو فريب» الذي اعتبر أن القرن الثامن عشر هو القرن الذي تزعم فيه هذا الإقليم النضال التحريري للأرمن ضد الظلم الفارسي الذي وجد في الامبراطورية الروسية آنذاك المساند الرئيسي له.‏

في بداية القرن الثامن عشر القيصر بيوتر الأول، توجه إلى سكان الإقليم معلناً أن مواطنيه يرغبون في العيش تحت رعايتنا وفي هذه الفترة تحول الإقليم إلى أحد المراكز الرئيسية للقبائل التركية في القفقاس في عام 1747 بعد مقتل نادر شاخ، ضعفت السلطة المركزية الفارسية ما أتاح للإقليم أن يعلن استقلال مقاطعة كرباخ كإقليم مستقل ولكنه استمر في الاعتراف الشكلي بسلطة الشيوخ الفرس.‏

في عام 1813، عقدت معاهدة سلمية بين روسيا والمملكة الفارسية، انتقل إقليم كرباخ بموجبها إلى رعاية الامبراطورية الروسية.‏

وفي عام 1828 تم التصديق النهائي على تلك المعاهدة ومنذ ذلك الوقت بدأت النزوحات الجماعية للأرمن والمسلمين، فالكثير من المسلمين الكراباخيين نزحوا إلى مملكة الفرس ولم يستقر الوضع في الإقليم إطلاقاً، فتارة تصبح فيه الأكثرية من الأرمن وتارة من المسلمين وبعد جولات كثيرة من الحروب أعلنت الامبراطورية الروسية كرباخ إقليماً أرمينياً يتمتع بالحكم الذاتي تحت رعاية الامبراطورية الروسية، وبدأ الأرمن ينتقلون جماعات إلى هذا الإقليم حتى سقوط الامبراطورية الروسية ولكن الإقليم لم يتأثر كثيراً بهذا السقوط من حيث التركيب السكاني، وخلال التسعين عاماً التالية.‏

ورغم التنوع العرقي في الإقليم لم يشهد أي مواجهات عرقية جدية.‏

فقد عاش فيه الأرمن والمسلمون التتار حياة مسالمة متآخية وأول مأساة شهدها الإقليم كانت في عام 1905، عندما حدثت مذبحة بين الأرمن والمسلمين التتار «المنتمين عرقياً إلى أذربيجان» في هذه المذبحة تم حرق 240 منزلاً ومقتل 318 شخصاً وانتهت دون أن يتمكن أحد من المتقاتلين في حسم المعركة لصالحه.‏

بعد ثورة تشرين الأول عام 1917، أصبح إقليم كرباخ مقاطعة فيدرالية قفقاسية، يتشاطرها في عام 1918 ثلاث جمهوريات أذربيجان وجورجيا وأرمينيا، ولم يحدث أثناء ذلك أي مواجهات تذكر في عام 1923 ضم إقليم كرباخ كإقليم ذي حكم ذاتي ضمن جمهورية أذربيجان السوفيتية وكانت أكثريته المطلقة من الأرمن.‏

في العصر السوفييتي لم تحدث أي مواجهات بين الأعراق المتعايشة في الإقليم، تحت شعار إخوة القوميات والشعوب تحت السلطة السوفيتية.‏

ومنذ عامي 1987 و 1988، بدأت تلوح في الأفق في ظل قيادة غورباتشوف النزاعات الإقليمية في كل مكان، على خلفية بوادر تفكك الاتحاد السوفييتي، حيث بدأت كل قومية تفكر بالاستقلال والحصول على أوسع ما يمكن من الأراضي التي تعتبرها تابعة لها تاريخياً أي قبل العصر الاشتراكي.‏

ومما سرع في المواجهات الأثنية العرقية، سياسة «الإصلاحات» الغورباتشوفية، في هذا الوقت بدأت تظهر الأفكار الداعية لإعادة وحدة الأراضي على أساس عرقي وقومي، وهكذا بدأ الصراع على إقليم ناغورني كرباخ بين أرمينيا وأذربيجان ولأول مرة بدأت روح الأخوة التي سادت عشرات السنين بين الشعبين الصديقين الأرمني والأذربيجاني تختفي في علاقاتهما، رغم أنهما معاً من الشعوب القفقاسية التي لا يوجد فيما بينها أي عداوات جدية، ولكن استغل الوضع القائم على خلفية انهيار الاتحاد السوفييتي لتأجيج الخلافات وإشعال الحرب بين الدولتين التي لم تخدم مصالحهما إطلاقاً، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، لم تتمكن الدولتان أذربيجان وأرمينيا من التوصل إلى صياغة مقبولة من قبلهما لحل النزاع بروح التسامح والعيش المشترك، وتساهم سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد وكونها صديقة للشعبين الأرمني والأذربيجاني في التوصل لحل مقبول من الطرفين.‏

وتساهم روسيا أيضاً في هذا الاتجاه الذي تستغله الدول الغربية والولايات المتحدة من أجل التواجد العسكري في منطقة القفقاس، إن إقليم ناغورني كرباخ ليس فيه أي ثروات تذكر ولكن جميع المناطق المحيطة بها غنية بالموارد والثروات الطبيعية التي تشكل مطمعاً للشركات النفطية الأميركية بما فيها بحر قزوين الذي يعتبر احتياطي النفط العالمي المستقبلي وربما يكمن جوهر النزاع في ذلك ولكن مصلحة المنطقة وشعوب القفقاس تكمن في السلام والاستقرار والحوار الدبلوماسي للتوصل إلى حل مقبول يخدم مصالح شعوب المنطقة والعالم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية