راح الخبراء يسهبون في وصف العمليات العسكرية السرية التي يتدرب عليها الحرس الثوري الإيراني في دول أمريكا اللاتينية لضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية، فما أساسات هذا الصخب الإعلامي؟.
نددت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بتشييد سفارة ضخمة وواسعة لإيران في العاصمة النيكاراغوية في حين أعادت كبريات الصناعات العسكرية وهيئة الأركان الأمريكية النظر في مقاربتها لإيران ولا سيما منذ صدور تقرير بيكر-هاملتون، بينما زاد المحافظون الجدد (الإسرائيليون والانكلو-امريكيون) من حملتهم الضاغطة على إيران، هكذا جرى تسميم الرأي العام الغربي الذي يعتقد بأكثرية أن الرئيس أحمدي نجاد لا يريد القضاء على إسرائيل وتصنيع قنبلة نووية فحسب رغم أن الإمام الخميني أعلن سابقاً أن هذا السلاح التدميري يتنافى والقيم الإسلامية، بل سادت قناعة منذ شهر حزيران المنصرم لدى هذا الرأي العام، أن إيران الحالية هي ديكتاتورية دينية زورت الانتخابات وقمعت بالدم مظاهرات شعبية.
والآن فتحت جبهة أخرى في الحرب ضد الحقيقة التي أشعلها المحافظون الجدد حول الدور الإيراني في أمريكا اللاتينية، ثمة تقارب شهدناه بين جانبي الكتلة الثورية اللاتينية وتضم (كوبا، بوليفيا، الاكوادور، هندوراس، نيكاراغوا، سانت دومينيك، وفنزويلا) والكتلة الثورية الشرق أوسطية وتضم (إيران، المقاومة اللبنانية والفلسطينية وسورية) بهدف الالتفاف على القيود المفروضة عليهم من قبل الولايات المتحدة وكذلك من أجل إنشاء مؤسسة دولية بديلة عن تلك المؤسسات التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وصورت الدعاية الغربية أن هذه الدول وهذه المجموعات السياسية والتي تعمل وفق سياسة مستوحاة من عدم الانحياز لديها خطة توسعية وأجندة عسكرية مخفية.
وأطلق بالون التجربة في هذه الحملة مقالاً كتبه الصحفي كاتب الافتتاحيات أندرس أوبنهايمر في صحيفة ميامي هيرالد الصادرة في الولايات المتحدة، ويرى هذا الصحفي الذي علق على جولة أحمدي نجاد في أمريكا اللاتينية أن إيران لا تبحث في كسر طوق عزلتها الدبلوماسية فحسب بل أيضاً تبحث في تصدير ايديولوجيتها (الفاشية) لكي تهاجم أمريكا من الخلف وفي سياق مقالته ندد أوبنهايمر بالتواجد المتزايد للموظفين الدبلوماسيين الإيرانيين في أمريكا اللاتينية وخاصة في نيكاراغوا.
وما يثير الدهشة في هذه الخبطة الإعلامية أن تأتي بقلم شخص بنى شهرته على كشفه لفضيحة إيران غيت حينما كانت الإدارة الأمريكية في عهد ريغن تدعم عصابات الكونترا في نيكاراغوا من دون علم الكونغرس بفضل مونتاج إسرائيلي معقد عمل على إثارة الشبهات حول شخصيات إيرانية بهدف التشويش عليها، وكان يمكن لهذا المقال أن يمر مرور الكرام دون أن يعيره أحد انتباهه لو لم يتقاطع مع جلسة استماع في الكونغرس لنانسي منجس (هذه الخبيرة) التي دعيت من قبل السناتور إليوت أنجيل لتدلي بشهادتها في الخامس من آذار عام 2008 للإضاءة حول تطورات الأحداث في كوبا في ظل مرض الزعيم فيدل كاسترو وتم تقديمها إلى أعضاء الكونغرس بصفتها عضواً في مركز (من أجل الأمن) وهو أحد بنوك الأفكار التابع للصقور في واشنطن.
والعارفون بالعالم الواشنطي المصغر يعرفون أن تلك السيدة هي أرملة كونستانتين منجس الذي كان يعمل المدير الأمريكي اللاتيني لجهاز السي، أي، أيه ومستشاراً لدى الرئيس رونالد ريغن وظل اسمه مرتبطاً بشكل خاص بالدعم الأمريكي لعصابات الكونترا النيكاراغوية وغزوجزيرة غرينادا وإثر وفاته تابعت السيدة منجس إصدار النشرة التي كان يصدرها زوجها بعنوان Amiricas Report.
وأكدت السيدة منجس إلى مستمعيها في الكونغرس عدم التسرع في التفاؤل بسبب مرض كاسترو لأن فنزويلا البوليفية حلت محل كوبا الاشتراكية في احتلال هاجس (العالم الحر) والأسوأ أن هوغو تشافيز قد فتح أبواب القارة اللاتينية إلى الثوار الإسلاميين الإيرانيين وحزب الله وحماس.
وبعد أن أثارت كافة أشكال الاشاعات المخيفة ومنها إمكانية بيع اليورانيوم إلى إيران من قبل فنزويلا وبوليفيا أكدت على التواجد الإيراني أيضاً في نيكاراغوا زاعمة أن إيران أقامت لها سفارة ضخمة وواسعة في العاصمة ماناغوا وثمة ديبلوماسيون يتمتعون بحصانة كبيرة دوماً في حركة ذهاب وإياب والمبنى هذا محصن ضد جميع أشكال التجسس وليس ثمة أي تعقيد على حركة الديبلوماسيين الإيرانيين ودائماً حسب مزاعمها سمح رئيس نيكاراغوا أورتيغا في عام 2007 لـ /21/ إيرانياً بالدخول إلى البلاد دون الحصول على سمة دخول وهذا يدل على أن نظام أورتيغا كما نظام تشافيز لا يشرف على من يدخل إلى بلديهما، الأمر الذي يمكن أن يخلف عواقب وخيمة على أمن المنطقة.
في ذلك الأثناء نشر مايكل روبن تقريراً مختصراً بعنوان (الطموح الكلي لإيران) وكان يعمل روبن سابقاً مستشاراً لوزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد حول العراق وإيران وشارك في الدعاية المضللة من أجل تبرير غزو العراق ومن ثم انضم إلى السلطة المؤقتة للتحالف وكان من المؤيدين المتشددين لضرورة توسيع دائرة الحرب لتشمل سورية ومن ثم إيران، مخاطباً بتقريره شعباً يجهل تاريخ منطقة الشرق الأوسط وقد شارك في صياغة خزانة تطلعات إيران التوسعية و في هذا التقرير الموجز كل أنواع الاشاعات السارية هنا وهناك لخدمة هدفه في شيطنة إيران ومن ضمنها خبطة الصحفي اوبنهايمر.
وما كان مجرد (خبطة) إعلامية أو (معلومة خبرية) أصبح حقيقة رسمية حينما أكدتها وزيرة الخارجية الأمريكية وخلال جلسة جواب رد معها بمناسبة يوم الشؤون الخارجية في أيار الماضي، صرحت قائلة: أعتقد أننا نواجه في عالم اليوم عالماً متعدد الأقطاب ونواجه في أمريكا اللاتينية الروس والصين والإيرانيين، نحن نبحث في كيفية التعامل مع الرئيس أورتيغا، فالإيرانيون يبنون لهم سفارة ضخمة في ماناغوا ويمكننا أن نخمن لماذا.
باختصار ينبغي العثور على حل قبل أن تحل الثورة الإسلامية الإيرانية على عتبة الولايات المتحدة.