|
لم تنجُ من رياح الخماسين.... رسم بالكلمات ترفد من خلالها مسيرة الحركة الإبداعية، والتي باتت -بدورها- تتخلص من أطرها الجغرافية، كنتيجة حتمية لعصر (الانترنيت) لتدخل حيز التقييم والمقارنة والنقد -شاءت أم أبت- ضمن دائرة الإبداع العالمي، وبالتالي بات الإبداع مرهوناً بفنية النص المنجز بعيداً عن مبررات اعتدنا أن نقدمها لأي نص يداعب -بثباته- مشاعرنا العاطفية أو السياسية، أي أن النص والمتلقي الحديث تجاوزا معاً- أو هكذا يجب أن يكونا- فطرية الخطاب الإبداعي المحكوم بثقافة ضيقة، أو بعمر الكاتب أو بعمر تجربته، وبالتالي تزول الفوارق والمبررات لدى عملية التلقي عند القارئ المعاصر، ولا أقصد من هذا أن تلغي خصوصية الهوية الثقافية التي حفزت على إنتاجه، بل ألا تكون سبباً لإنتاج نص متواضع باسم الخصوصية.. سوزان إبراهيم، -أعتقد أنها- تدرك معنى المعاصرة، والتجاوز، والخصوصية، لهذا اختارت -منذ البداية- عنواناً إشكالياً لصفحتها لتتجاوز من خلاله كلّ ثابت، فالرسم إشارات محكومة برؤية الفنان للون والذي سيتحول بريشته إلى موضوع مباشر مثبت داخل إطار اللوحة المحكوم أيضاً بالرؤية البصرية للمتلقي ودرجة حساسيته تجاه اللون المحكوم مسبقاً بذاكرة جمعية يصعُب تجاوزها، أما الكلمة فقادرة أن تتحول بقلم المبدع إلى إشارات لا متناهية ومنفلتة عن قاموسها لتشكل فضاءاتها الخاصة داخل النص المنجز وخارجه، ومتلقيها مُطالب بملاحقة المعنى بعيداً عن مباشرة الخطاب الأصل، وبالتالي يصبح عنوان الصفحة /الرسم بالكلمات/ جملة إشكالية تكونت من مفردتين تُخزن بداخل كلّ منهما ذاكرة لحساسية مختلفة عن الأخرى لتلتقيا تحت يافطة الفن العريضة والتي تضم أنساقاً وأجناساً إبداعية لا متناهية أنتجها الإنسان ليعبر من خلالها عن أزماته الوجودية وطموحاته التي تلح عليه حسب ما تمليه متطلبات العصر، فهل أرادت سوزان إبراهيم كمشرفة على الصفحة أن تُدخل المشاركين المفترضين -مسبقاً- كتاباً وقراء ونقاداً ضمن رؤيتها، من خلال إشكالية العنوان الذي يتيح فضاءات لحرية الحوار، دون أن تشير بشكل مباشر إلى نسقها، إيماناً منها بأن النصوص الإبداعية تلتقي باختلافها لتكون مشروعاً معاصراً؟ إذا كان هذا ما أرادت إيصاله للآخر /المشارك المفترض/ فهل وصل المُراد؟ الجواب يكمن بما قُدم من كتابات خلال عمر الصفحة، والتي أكملت عامها الأول قبل أن تكمل طموحها أو جزءاً منه كما يبدو لي من خلال متابعتي لما كتب بها، فسوزان إبراهيم، ومن خلال زاويتها الدائمة، كانت تحاول أن تبقى مخلصة لتلك الطموحات التي رافقت البدايات، فزاويتها دائماً محملة بدعوة للحوار، ولاأدري إن كانت الاستجابة تشكل حيزاً يرتقي إلى طموحها، لكني أستطيع أن أخمن بأن الاستجابة كانت أقل بكثير مما تصبو إليه..!! أما بخصوص النصوص الإبداعية التي رسمت بالكلمات وتلقيتها على أنها نصوص منجزة، متجاهلاً عمر الكاتب أو عمر تجربته أو ثقافته فقد كانت الفسحة فيما بينها متوفرة لاختلافات ميكرو سكوبية رغم محاولة البعض لإيجاد لغة تميزه عن الآخر، لكن الحدود الفاصلة كانت تقف دائماً على شعرة، وكانت تراهن على إيصال الموضوع، أكثر من مراهنتها -كما يفترض- على فنية جديدة تخرج الموضوع عن المألوف بشجاعة النص الذاتية، أو أن تضع النص -على الأقل- في سياقه الصحيح ضمن النسق التقليدي الذي أطرت فنيته به، ما أرمي إليه أن معظم النصوص لم تستطع أن تقدم اختلافاً، ولم تستطع أن تقدم ثباتاً يدل على تأصيل النسق المتبع، فقصائد /التفعيلة/ والقصائد/ النثرية/ كانتا تنطلقان من رؤية وفنية متشابهة رغم الاختلاف التقليدي الذي حدد -مع الرواد- مسار كل منهما، فتخلي الثانية عن التفعيلات لا يكفي، بمفرده، لتكوين قصيدة جديدة، وتخلي الأولى عن بحور الفراهيدي لا يخلصها، بمفردة، من الكلاسيكية، فالشعر نبوءة محكومة بالشكل والمضمون معاً وبلغة جمالية متقدمة عن الذوق العام لترقى بمتلقيها إلى المستقبل ولتبقى بألق النبوءة، وهذا ما لم نجد منه إلا شذرات متفرقة لا ترقى إلى مستوى تكوين تجربة معاصرة، وما أقوله عن الشعر، أقوله عن القصص التي نشرت في الصفحة خلال عامها الأول، ومرد تلك الأزمة -إن صحت تسميتها أزمة- إلى سببين أولهما: استسهال الكتابة دون امتلاك مخزون معرفي عن الحركة الفكرية والأدبية العالمية، وثانيهما غياب النقد الجديد الطامح إلى تجاوز المدارس النقدية التقليدية العربية منها والغربية بآن..
|