وبعيدا عن أن خطوة الاحتلال الإسرائيلي منح ترخيص لشركة أميركية بالتنقيب عن النفط في أراضي الجولان العربي السوري تشكل خرقا فاضحا وانتهاكا صارخا للقوانين والأعراف الدولية انطلاقا من أن الجولان العربي السوري هو ارض سورية محتلة من قبل إسرائيل ولا يحق لها الاعتداء على ثرواته الطبيعية وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الذي يمنع الاحتلال من التصرف بالجولان باعتباره أرضا تحت الاحتلال ولا يجوز التصرف بثرواته أو تغيير معالمه وطبيعته الجغرافية أو الديمغرافية.. بعيدا عن ذلك كله وبمجرد أن نعلي رؤوسنا قليلا فإنه يمكننا على الفور رؤية ما وراء الأكمة وملاحظة دلالة وأبعاد هذه الخطوة وفي هذا الوقت بالتحديد في ظل الظروف التي تعصف بالمنطقة التي تشهد مخاضا عسيرا ينبئ بولادة عصر جديد تحكمه معادلات وتوازنات جديدة قد تؤدي الى تغيير جذري بالخريطة الدولية وهو ما يثير الى حد كبير غضب الكثير من القوى الاستعمارية المتحكمة بالواقع الحالي لجهة خشيتها على مستقبلها ووجودها على خارطة السياسة العالمية الفاعلة والمؤثرة والتي تمثل إسرائيل بالطبع الابن المدلل والحليف الأبرز لتلك لقوى الاستعمارية.
وبالتالي فإن أي قراءة عميقة لخطوة الاحتلال الإسرائيلي تلك قد تقودنا خاصة إذا تناولناها من المنظور الاستراتيجي الذي يكتسب كما هو معلوم أهميته الاستراتيجية من أبعاده وتأثيراته التي تفرضها الظروف المحيطة به والتي تتجاوز في اغلب الأحيان حدوده الجيوسياسية التي تهدف بالدرجة الى تغيير الواقع القائم ورسم معادلات جديدة على الأرض بعد ان تكون جميع الخيارات قد استنزفت واستهلكت وبات صاحبها محشوراً في عنق الزجاجة، وهذا المشهد أي مشهد (فشل وهزيمة المشروع الصهيو أميركي في سورية خصوصا والمنطقة عموما) هو المرتسم على القائم على الأرض حاليا وهو يجعل من كافة الأطراف المشاركة بقتل السوريين في حالة هستيريا دائمة تدفعهم الى ارتكاب المزيد من الحماقات المتوقع منها وغير المتوقع.
وعليه فإن الهدف الأول لتلك الخطوة الإسرائيلية التي لا يمكن فهم أبعادها إلا إذا ربطناها بالحماقة الإسرائيلية التي ارتكبتها إسرائيل قبل ذلك عندما استهدفت موقعا للبحث العلمي في جمرايا بريف دمشق هو محاولة إسرائيلية يائسة وبائسة ومفضوحة لانتزاع الحكمة والتركيز من العقل السياسي السوري في هذه المرحلة العصيبة التي تواجه فيها سورية حربا كونية بهدف حرف البوصلة السورية عن اتجاهها الذي فرضته ظروف المرحلة التي تمر بها سورية، وبالتالي تبرز الغاية الأساسية من هذه الخطوة لتتمثل بالتشويش المتعمد والممنهج على العقل السوري الذي يدير معركته الداخلية والحرب التي تشن ضده بكل جدارة وحرفية لم يعرف لها مثيل ، أي ما معناه أن هذا الضجيج الإسرائيلي الذي تصاعد خلال الفترة الماضية لم يكن يهدف بالدرجة الأولى إلا إلى استفزاز ولفت أنظار السوريين الى الوجهة الخطأ ليتسنى لأعداء سورية وعلى رأسهم إسرائيل توجيه المزيد من الطعنات الغادرة من الخلف بالتعاون مع شركائها وحلفائها ، خاصة في ظل ظهور بوادر النصر السوري الذي بدأت بوادره تلوح بالأفق وهو الأمر الذي كما أسلفنا يدفع بأعداء سورية تتصدرهم إسرائيل الى التصعيد المستمر في دمويتهم وإجرامهم الى درجة الهستيريا التي سوف تطيح بما تبقى من عقولهم.
أما البعد الثاني لهذه الخطوة الإسرائيلية التي لا يمكن قراءتها أيضا بشكل صحيح دون استحضار سلسلة التحولات والتغيرات التي لاتزال تضرب الداخل الإسرائيلي منذ شهور والتي ظهرت ارتداداتها داخل الأراضي المحتلة لجهة استمرار الاحتلال بتصعيده الممنهج ضد الشعب الفلسطيني على كل المستويات والأصعدة، بالإضافة الى تململ الشارع الإسرائيلي الغاضب والرافض لسياسة الحكومة الإسرائيلية العاجزة عن تحقيق أي من طموحاته الاحتلالية والإرهابية المتطرفة سواء ضد الشعب الفلسطيني او على مستوى بعض الملفات العالقة في المنطقة والتي أدت إلى جملة من الخلافات والانقسامات السياسية الواسعة داخل الحكومة الإسرائيلية التي حلت نفسها وأعادت إنتاجها مجددا بنفس الوجوه الإجرامية وبنفس البرامج والعناوين المتطرفة.
وبناء على ماسبق فإن هذه الخطوة الإسرائيلية إذا أضفناها الى سلسلة الحماقات الإسرائيلية السابقة يمكن على الفور قراءتها بأنها ليست إلا هروبا الى الأمام هدفها الأساسي هو تصدير أزمات الاحتلال الداخلية والخارجية الى خارج حدودها على قاعدة أن الوصول الى الفشل يدفع بصاحبه الى رمي كل أوراقه على الطاولة من اجل تغيير الواقع القائم الموجود على الأرض عبر افتعال الحروب والأزمات لإنقاذها من مأزقها التي حشرت نفسها فيه.
بالمحصلة فإن تلك الخطوة الإسرائيلية ورغم أنها خارجة عن كل القوانين والمواثيق ورغم أنها تثبت عجز وتواطؤ المجتمع الدولي مع الكيان الصهيوني، إلا أنها ليست إلا نتيجة طبيعية وارتداداً متوقعاً لهزيمة المشروع الصهيواميركي في سورية خصوصا والمنطقة عموما الذي يمكن وصفه على انه بمثابة الزلزال التي ستضرب تداعياته عموم المنطقة والعالم كونه سيرسم ملامح جديدة للمشهد الدولي خلال المرحلة المقبلة يقوم على معادلات وتوازنات مختلفة.