تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المؤامرة .. والعدّ التنازلي

شؤون سياسية
الأحد 17-3-2013
 د. عيسى الشماس

إنّ من يتتبّع مجرى الأحداث التي تعصف بسورية ، على مدى سنتين ، وما رافقها من مواقف المعارضة المدعومة من الخارج ، الذي خطّط للمؤامرة الكبرى ووظّف أدواتها التنفيذية في الداخل والخارج ،

يجد كيف تتصاعد حدّة المعارضة وطلباتها كلّما تلقّت جرعة تآمرية داعمة من أسيادها ، وتصعّد من لهجتها تجاه النظام الوطني في سورية ، ورفضها المطلق لأي حوار يفضي إلى حلّ سياسي / سلمي للأزمة ، مقابل تصعيد شدّة العنف والإرهاب الذي وصل إلى ذروته في استقطاب تنظيمات إرهابية / تكفيرية ،كشفت عن هويتها وانتمائها لتنظيم ( القاعدة ) الإرهابي على مستوى العالم وقامت بعشرات التفجيرات الإجراميّة التي طالت مؤسّسات الدولة المدنية والعسكرية ، والمؤسّسات العامة والخاصة ، وراح ضحيّتها آلاف الشهداء والجرحى من المواطنين الأبرياء ، وآخرها تفجيرات دمشق الدموية صباح الخميس ( 12/2/2013 ) التي أودت بحياة أكثر من خمسين مواطناً ، وإصابة أكثر من ثلاثمائة مواطن بجروح مختلفة . وذلك كلّه تحت راية الجهاد المزعوم الذي استقدموا باسمه آلاف المرتزقة من دول عدّة ، وبغطاء عربي ودولي.‏

صدّق المعارضون والمسلّحون من أدوات المؤامرة ، ما وعدهم به أصحاب مشروع المؤامرة الكبرى على سورية ، بعدما غسلوا لهم أدمغتهم ، وحقنوهم بجرعات قوية من فيروسات العمالة والتآمر؛ أسكنوهم في فنادق وقصور فارهة ، وأجزلوا لهم أجور عمالتهم، وأعدّوا لهم المقاهي الليلية للراحة والترفيه ؛ وعدوهم بالمال والسلاح للتخلّص من النظام خلال أسابيع معدودة ؛ عقدوا لهم اجتماعات في عواصم بارزة لتشكيل لجان ومجالس تفنّنوا بتسمياتها ، من( المؤتمر الوطني للتغيير) في إيطاليا ( 1/7/2011 ) مروراً بمجلس اسطنبول ( 16/7/2011 ) إلى( المنبر الديمقراطي) في القاهرة ( 13/4/2012) وحتى مؤتمر الدوحة ( 3/11/2012 ) وتشكيل ما سمي ( الإتلاف الوطني ) .كما عقدوا لهم مؤتمرات لتقديم الدعم المادي والمعنوي ، في جنيف ، وباريس ومراكش والدوحة؛ أشبعوهم فيها ، حتى التخمة ، من الكلام الفارغ المضمون من الدعم والمساعدة للشعب السوري تحت شعار ( أصدقاء سورية ) . فاستمرأوا في تدمير بلادهم وإضعاف قوتها العسكرية ، واغتيال العلماء والمبدعين فيها ، تحت شعارات ومصطلحات مزيّفة من الحرية والديمقراطية والإصلاح ؛ وما دروا إلاّ وهم غارقون في مستنقع الخيانة لصالح المشروع الثلاثي الأبعاد (أميركي –أوربي – صهيوني ) ، ولا يعرفون كيف يخرجون منه .‏

بدأ المتآمرون / المأجورون بالمظاهرات المطالبة بالإصلاح والحرية والديمقراطيّة، فكانت مراسيم الإصلاح والانتخابات والأحزاب ، والدستور الجديد . ولكنّ ذلك لم يف ِ بأهداف المؤامرة ، فراحوا يصعّدون من لهجتهم بدءاً من المطالبة بإسقاط النظام ، ثمّ برحيل النظام ومحاكمته ، إلى تنحّي الرئيس وإحالة رموز النظام إلى المحاكم الدولية؛ ولكنّ هذا التصعيد الذي وصل إلى ذروته على خطّ بياني ، بدأ بالانحدار السريع تحت وطأة صمود الشعب السوري الأصيل ، وبطولات قواته المسلّحة التي تلاحق الإرهابيين وتدكّ أوكارهم أينما وجدوا .‏

ولكنّهم أرادوا أن يثبتوا وجودهم بالقتل والتدمير ، من خلال تصعيد عمليات أدواتهم الإرهابيّة ، مقتدين بمبدأ زعيم الإرهاب الصهيوني / مناحيم بيغن / « أنا أقتل فأنا موجود»، إلى أن وجدوا أنفسهم أمام واقع لم يحسبوا أن يصلوا إليه .. إلى أن جاءت الأوامر العليا من مديري المؤامرة إلى الأدوات التنفيذية في المعارضة ، بالرضوخ للأمر الواقع والاعتراف الضمني في الفشل الذريع أمام قوّة النظام الوطني ، الجماهيري المتماسك . وتبدّلت المطالب بالتنازل من إسقاط النظام وعدم التفاوض مع النظام ، إلى التفاوض مع ممثلين للنظام أو مع أي مسؤول من النظام ، بعدما أدركوا أنّ اللعبة الدولية التي كانوا أدواتها ، شارفت على الانتهاء ، وحسبهم أن يلحسوا شيئاً ممّا يبقى في أوعية المطبخ التآمري ، وقد لا ينالون سوى طعمه الكريه ورائحته العفنة .‏

وبرهنت على هذا التراجع تصريحات رئيس ائتلافهم المزعوم / أحمد معاذ الخطيب / عن إمكانية الحوار مع النظام من دون طلب تنحّي الرئيس . ولكنهم حفاظاً على ما بقي من وجوههم ، وتحت ضغط المأزومين / المتشدّدين منهم ، ولكي لا يبرهنوا بوضوح، عن إفلاسهم ويأسهم، أعطوا لأنفسهم حجماً ليس لهم وزن فيه ، وعبّروا عن ذلك في بيانهم الصادر عن اجتماعهم الأخير في القاهرة ( 21, 22/2/2013 ) الذي تضمّن رفضهم زيارة موسكو وواشنطن ، ومقاطعة اجتماع ( أصدقائهم وأعداء سورية ) في روما. وعندما شعروا أنّهم أغلقوا الباب على أنفسهم أمام أي اتصال لمشاركتهم في حلّ الأزمة السورية، بينما تحوّل المجتمع الدول كلّه نحو تأييد الحلّ السياسي بالحوار الوطني الشامل ، تراجعوا عن مقاطعة اجتماع روما(28/2/2013 ) بأوامر أمريكية وبريطانية، وأعلنوا المشاركة تحت ذرائع وتبريرات واهية ، فيما قاطع مجلس اسطنبول. ولكنّهم أصيبوا بخيبة أمل إذ فوجئوا بأن عدد الدول المشاركة لا يتجاوز ( 11 ) دولة بعد إن كانت في المرّة الأولى أكثر من سبعين دولة ، وفي المرّة السابقة إحدى وخمسون دولة ، ولم يحصلوا من اجتماع روما سوى على وعود وهميّة بالدعم السياسي والمادي ، ورفض تسليح المعارضة. وهذا ما أثار حماقة / معاذ الخطيب / فراح يوزّع الاتهامات ، يمناً وشمالاً ، بما فيهم أصدقاؤه ، متجاهلاً عمالة تنظيمه التأمري .‏

فأمريكا أقرّت بوجود العصابات الإرهابية ولا تنوي تسليح المعارضة ، وفرنسا اعترفت بوجود إرهابيين من جنسية فرنسية يقاتلون في سورية ؛ وبريطانيا تحذّر من تزايد الجهاديين في سورية ، وقد يشكلون خطراً على أوربا ؛ أمّا تركيا فقد ورّطت نفسها بنصب صواريخ باتريوت على الحدود السورية ، في حين انقسم الاتحاد الأوروبي على نفسه تجاه المعارضة ، ومعالجة الأزمة السورية، في اجتماعه ( الخميس 21/2/2013 ). وأصبح الحلّ السلمي هو المخرج الوحيد من الأزمة الذي يعمل الجميع من أجله ، وذلك بالعودة إلى بيان اجتماع جنيف _ تموز 2012 ) وتأكيد اجتماع المنتدى العربي- الروسي ( 20/2/2013) . بعدما تأكّد فشل الحلّ العسكري من خلال دعم العنف والإرهاب .‏

وماذا بعد ؟ فسورية صامدة بوعي شعبها ، وقوّة جيشها ، وتماسك حكومتها ، والكلّ يؤدّي دوره الوطني المطلوب للقضاء على المؤامرة واجتياز الأزمة بسلام . وإذا كانت سورية دعت إلى الحوار منذ بدء الأزمة ، فلماذا لم يستجيبوا لها ويوفّروا دماء المواطنين الأبرياء، ويوقفوا عمليات التدمير والتخريب؟ طبعاً ، لم يستطيعوا ، لأنّهم أصيبوا بجنون الوقاحة والتآمر ، بفعل تلك الإغراءات المغلّفة بعمى ألوان الدولار ، والمعطّرة برائحة البترول العفنة ، الواعدة لهم ببلوغ السلطة الوهميّة التي يحلمون بها .‏

ولأنّ مصلحة الوطن هي العليا، أولاً وأخيراً، فتحت الدولة السورية ، أو النظام السوري ، كما يسمونه ، أبواب الحوار على مصاريعه الواسعة للراغبين ، في الداخل والخارج ، في المشاركة في عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي ، ورسم معالم إعادة بناء سورية الجديدة ، مع الحفاظ على الثوابت الوطنية المتجسّدة في قوتها ووحدتها وسيادتها ، ورفض أي تدخّل خارجي في شؤونها، كما جاء في مبادرة السيد الرئيس بشار الأسد في (6/1/2013 ) وما ترجمته الحكومة في برنامجها السياسي التنفيذي . فالوطن للجميع ، والجميع تحت سقف الوطن ، الذي يظلّل أبناءه ويحميهم من شرّ المحن والأزمات، ويوّحدهم في الانتماء والولاء .. وهنا المحكّ الوطني الدقيق لمن يريد الإصلاح والحفاظ على قوّة سورية ووحدتها وسيادتها. فيعود إلى ضميره الوطني ويلقي سلاحه ، ويتخلّى عن العنف ، وينبذ الإرهاب وداعميه ، ويأتي إلى الحوار البنّاء بنية صافية وعقل مستنير، ليسهم في بناء سورية الجديدة / المتجدّدة ، سورية المحبّة والأمن والاستقرار ، سورية الحضارة الإنسانيّة والتاريخ العريق.وكما قال الشاعر الفرنسي الشهير / لافونتين /» من يحسن خدمة الوطن يستغني عن نسبه ».‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية