أخذت المحادثات التي تمت بين الفريقين طابع الجدية حيث كان المسؤول الأمني في منظمة التحرير الفلسطينية على اتصال دائم مع الرئيس عرفات إذ دأب على موافاته بتقارير يومية عما يحدث من حوارات في تلك الاجتماعات. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين فقد كان يتلقى تقارير مفصلة من أحد الجنرالات السابقين المشاركين في الاجتماعات وقد تضمن الحوار الذي دار بين الطرفين البحث في الإمكانات التي تتاح للفلسطينيين لحفظ الأمن بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي كما وأُعدت دراسة حول مدى التعاون الذي يتعين أن تقوم به الجهات الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية كي تحول دون القيام بعمليات ضد إسرائيل وتم البحث في العدد الذي ينبغي أن تكون عليه القوى الأمنية الفلسطينية ونوع الأسلحة التي توضع بتصرفها وآلية التعاون الأمني وبشكل خاص في مجال جمع المعلومات الاستخباراتية والمشاركة بها.
وفي ذلك الحين، واجهتنا معضلة أثارها الفلسطينيون حول ضرورة الإفراج عن الأسرى الذين مارسوا العنف ضد إسرائيل قبل التوصل إلى الاتفاق الذي يحتمل أن يتم بين الطرفين. وقد كان من المفترض الإفراج عن السجناء الفلسطينيين في الأحوال التي يتم فيها التوصل إلى اتفاق نتيجة التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية. وقد قدم هذا الطلب بناء على رغبة من عرفات كخطوة مطلوبة مقابل التنازلات التي يتعين عليه تقديمها للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل. وقد جرى تلبية الطلب بالإفراج عن العديد من المعتقلين الذين سجنوا قبل أوسلو بالتزامن مع التوقيع على الاتفاق.
عاد العديد من المقاتلين (الذين سبق وأن تم ترحيلهم من قبل إسرائيل) إلى فلسطين برفقة عرفات وأصبحوا قادة لهم شأنهم في السلطة الفلسطينية وباتوا من أكثر القوى حماسا للسلام لكن على الرغم من مضي 20 عاما على اتفاقية أوسلو مازال 123 فلسطينياً سبق وأن اعتقلوا وأدينوا قبل أوسلو قابعين في السجن. علما بأن رؤساء الحكومات الإسرائيلية السابقة قد قطعوا الوعود مرارا وتكرارا بالإفراج عنهم لكن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع.
ما يجدر ذكره أن 800,000 مواطن فلسطيني خضعوا للاعتقال والسجن لمدد مختلفة في السجون الإسرائيلية وليس ثمة عائلة فلسطينية لم يتعرض أحد أفرادها إلى السجن لفترة ما وربما يصبح الصراع السياسي لتحرير المعتقلين الفلسطينيين دافعاً للقيام بانتفاضة جديدة. أما الآن فمازال يرزح في السجون الإسرائيلية أكثر من 4500 فلسطيني تم اعتقالهم لأسباب بسيطة لا علاقة لها بتلطخ أياديهم بدماء اليهود.
ثمة قضية أخرى مثارة يضعها الشعب الفلسطيني على أجندته ويعطيها المجتمع الدولي اهتماما ألا وهو موضوع الاعتقال الإداري ذلك الإجراء الذي يسمح بسجن الفلسطينيين دون أن توجه تهماً محددة لهم وحبسهم دون محاكمة لأمد غير محدود ودون أن يمنحوا حق الدفاع القانوني عن أنفسهم. وقد سبق لرئيس الوزراء مناحيم بيغن أن استذكر حصول مثل هذا الإجراء في دولة ديمقراطية كإسرائيل لكنه لم يستطع إلغاء أو منع العمليات التي يقوم بها رجال الأمن الذين أقنعوه بأن إحالة المعتقلين إلى المحاكم سيتطلب الكشف عن المصادر التي وافتهم بالمعلومات عن المعتقل وبالتالي إلى معرفة المتعاونين مع تلك الجهات الأمنية.
لقد مضى الكثير من الوقت لإطلاق سراح 123 فلسطينيا احتجزوا قبل أوسلو وأمضوا أكثر من 20 عاما في السجن لأنهم قاموا بمقاومة عنيفة لإسرائيل قبل اتفاق أوسلو على الرغم من أن ثمة محادثات جرت مع عرفات والاجتماع مع ضباط أمن فلسطينيين كان العديد منهم من المقاومين لإسرائيل قبل أوسلو الأمر الذي يسقط أي مبرر لإبقاء أولئك المعتقلين في السجن حتى هذا الحين علما بأن الإفراج عنهم سيلقى الكثير من التقدير من قبل المجتمع الفلسطيني وسيوفر مزيدا من الشعبية لزعيم السلطة الفلسطينية محمود عباس كما وأن الإقدام على مثل تلك الخطوة سيقود إلى بيئة جديدة للحكومة الإسرائيلية المقبلة.
يتعين على الحكومة العتيدة الإفصاح عن رغبتها بوقف عمليات الاعتقال التعسفي بإقدامها على إحالة 250 من السجناء الإداريين على المحكمة للنظر في إطلاق سراحهم أو محاسبهم ولاشك بأن جون كيري رغبة منه في تحقيق الثقة بين الطرفين وخلق بيئة سياسية جديدة تُشجع على العودة للتفاوض لا بد له من أن يسعى إلى معالجة موضوع السجناء لذلك علينا أن نتوقع بأن ثمة ضغوطاً من الولايات المتحدة ستمارس على إسرائيل لتنفيذ بعض المطالب الفلسطينية ومنها إطلاق سراح الموقوفين دون محاكمة. كما وأنه من المؤكد بأن إسرائيل سيكون لديها مطالب تسعى إلى الحصول عليها من الفلسطينيين منها موضوع التعاطي مع قضايا التحريض والتعاون الأمني وتجميد خطط تدويل النزاع والالتزام بعدم الذهاب إلى المحكمة الدولية في لاهاي وتلك تعتبر مطالب معقولة يتعين أن تلقى الدعم من الولايات المتحدة أيضا.
لا شك بأن كلا الجانبين لديه قائمة من الطلبات التي سيتقدم بها إلى الولايات المتحدة كي يعود إلى طاولة المفاوضات بشكل جاد وربما سيطلب الفلسطينيون رفع التعليق الإداري للدعم المالي الأميركي للاقتصاد الفلسطيني الذي سبق للكونغرس أن أقره منذ عدة سنوات وبالتأكيد ستطالب إسرائيل مقابل تحرير السجناء الفلسطينيين الإفراج عن جوناثان بولارد الذي دفع ثمنا باهظا إزاء ارتكاباته وحان الوقت للإفراج عنه والسماح له بالعودة إلى إسرائيل.
إن معالجة موضوع بولارد في إطار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية يعتمد على رغبة الولايات المتحدة في تحسين فرص نجاح التفاوض بين الطرفين وعلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يرفض الربط بين القضيتين التلميح إلى الأميركيين بأنه سيكون من السهولة الإفراج عن 123 سجيناً احتجزوا قبل أوسلو إن سمح لبولارد العودة إلى الوطن دون أن يكون شرطا نفرضه على الأميركيين حيث إن ذلك سيسهم إلى حد ما بتحسين الأجواء ويوفر الدعم والقدرة لدى نتنياهو للرد إيجاباً على المطالب الفلسطينية.