تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شبابنا واللغة العربية كهوية حضارية متجددة

شباب
الأحد 17-3-2013
جواد ديوب

يتحدث الباحث منير العكش، السوري الأصل، عن التخطيط المدروس والخبيث الذي قامت به أميركا لإبادة الهندي الأحمر، فقد كانت سياستها تقوم على الفكرة التالية: «إن أردت أن تغتال شعباً فاجعله يخجل من لغته... يجب عليك أن تغتال تلك اللغة.»

أستحضر تلك الفكرة المرعبة عن «اغتيال اللغة» عندما أمرّ أحيانا بمراهقين ومراهقات سوريين، يتحدثون بلغة غير مفهومة هي أقرب إلى الهمهمة والرموز المختصرة التي يكتبون بها رسائلهم على الموبايل أو الفيس بوك، خليطٌ عجيبٌ من مصطلحات إنكليزية بطريقة لفظ فرنسية، وحركة من الأرداف مع وضع اليد في الجيب الخلفي لبنطال الجينز المتهدّل عند المؤخرة(Baggy jeans )، أو كما تفعل إحداهن حيث تكون أكمام بلوزتها منسدلة على جانبي جسدها، بينما يداها واحدةٌ على سماعات ال(head phone) والثانية في بنطال صديقتها... إنها حركة تعرف بالمصطلحات الغربية بـ»جيست»/ اختصار لـ gesture، أي رمزٌ حركيّ يجعل من اثنين أو ثلاثة شبّان أو شابّات، أكثرَ ألفةٍ وقرباً من بعضهم، ضمن مجموعةٍ ما، تم تأليفها تحديداً من نفس الموضة/الموديل الدارج في هذه المرحلة العمريّة.‏

أكثر ما يخيفني هو تلك «اللغة» الهجينة، فمن الذي قال لأولئك الشبّان إن اللغة العربية ليست جميلة، وأن علينا إزاحتها عن دربنا، ودرب أطفالنا؟ من أين تأتي فكرة أننا سنكون «حضاريين» أكثر، إذا كنا «منحكي إنكليش وفرينش وسبانيش»، ومستعدين لأن نشتري كل قواميس اللغات الأجنبية لنث بت مدى ثقافتنا، لكننا نخجل من قول كلمتين باللغة العربية الفصحى، ونضجر من مجرّد تخيّل قاموس اللغة العربية فيما لو مرّت معنا كلمة صعبة لم نفهم معناها؟!‏

هل نسينا سعيد عقل وأدونيس ومحمود درويش ونزار قباني وأحمد شوقي ومحمد مهدي الجواهري، والمئات من شعرائنا وأدبائنا وفلاسفتنا ورجال الدين الحكماء وكل فقه اللغة العربية؟ هل يمكن أن نتجاهل كل التراث الغنائي العربي الفصيح الذي غنّته أم كلثوم، ونقله الأخوين رحباني عن كنوز الشعر الأندلسي؟ بل أشعار الأخوان رحباني الساحرة، الرقيقة، والتي جعلت يمامات قلوبنا ترفرف؟ وبالطبع إن كل ما ذكرت ليس إلا أمثلةً قليلةً جداً من خزّان التراث العربي العملاق.‏

كما أنني لم أكن يوماً من المعادين لطريقة أي شخص في أن يكون حرّاً، متفرّداً، ومتجدّداً، سواء في شكل اللباس أو في اختيار الألوان وتقليد موضة ما، أو التشبّه بطريقة نجوم السينما العالميين، بل أتعاطف دائماً مع حيوية الشباب وجرأتهم ومحاولاتهم الدائمة، بكونهم شباباً، من أجل كسر قيود بعض العادات والآراء غير المرنة عند أجيال تكبرهم عمراً، لكنّ ما أنتقده وأحذّر منه هو التقليد الأعمى، أي أن يأخذ شبابنا العربي/السوري من الغرب ومن ثقافات العالم، مظاهرها فقط، أو الأشكالَ الأكثر سطحية بحكم تبدّلها السريع في أماكنها الأصلية، بدلاً من أن يقتبسوا علومَ وآدابَ تلك الحضارات لينتجوا ثقافتهم الخاصة، وليست الـ «فوتو كوبي» عن أي ثقافة أخرى مهما بدت برّاقة، ومريحة، وتناغي أحاسيسهم العاطفية والجسدية الفوّارة، وتلائم انشغالهم النرجسيّ بفتوّتهم، وعنفوانهم.‏

لست ألوم الشباب على التأثّر بما يشاهدونه ويستمعون إليه، لكنني أتمنى أن يدركوا أن طغيان آلة التخريب الإعلامي الحديثة عبر بعض الفيديوكليبات السخيفة، وعبر إعلانات تجارية هو ما يحوّل الشباب والصبايا إلى أدواتِ تحريضٍ جنسي، وهو ما يسلبهم القدرة على التفكير، ويقيّدهم إلى غريزةِ مشاهدة كل شيء، وابتلاعه دون هضمه، ودون التأنّي في معرفة آثاره وأمراضه على الروح والعقل، مستقبلاً عندما يدخلون في تجارب حياتية أقسى وأكثر تحديّاً لرجاحة عقولهم وقوّة إراداتهم.‏

وليست فكرتي وعظاً أخلاقيّاً أو دينياً، لأنني أدافع دائماً عن فكرة «الحب» بين الشباب، وأشجّع تلك النقاشات الجريئة في أي موضوع يخص حياتهم وعواطفهم وتفتّح أجسادهم على عالم جديد وغني من الأحاسيس، إنما هي فكرتي عمّا أشاهده وألاحظه لدى متابعتي لأحوال بعضهم.‏

وبرأيي إن السؤال الذي على شبابنا أن يسألوه لأنفسهم دائماً هو: لماذا لا نقتبس الأفكار الخلاقة والمبدعة، من كل حضارات العالم، بدل أن نقلد غيرنا من شبابٍ لهم بيئتهم و»سياقهم التاريخي» الذي أنتج ثقافة خاصة بهم وبأعمارهم؟ وعندها يمكن للشباب المتشوّق للتجديد، والذي يعتقد أن «الآخر» الأجنبي متطور وحضاري، أن يستفيد أكثر فيما لو ابتكر طريقة ذكية يدمج بها عناصر عدة ثقافات عالمية وعدة هويّات في قالبٍ واحد، بما يجعله متجدداً دائماً، لكن دون أن ينسى هويته العربية السورية ومكوناتها التاريخية الحضارية العريقة كعاصمته دمشق.‏

Javados2004@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية