للتفّاح الجولانيّ حكاية نسجتها الروح، فجعلتْ كلّ نبضة من نبض الفؤاد السوريّ الكبير قلماً ينقش بمداد المحبّة صفحات مشرقة من حكايات المجد التي يتتابع شلاّلها انهماراً يوماً بعد يوم، وعندما يتدفّق هذا التفاح الغالي إلى الأسواق السورية، يتدفق معه ذلك الكمّ الهائل من الأمل المشرق بولادة الصباح القادم، صباح الحرية الذي يعرف كيف يغازل شمسه، فتترك ضفائر شعرها تسرح فوق كلّ منعرج رمل والتفاتة وادٍ وشموخ ربوة على امتداد سورية .
من رائحته الزكيّة نشمّ طيب الجهد الذي بذله ابن الجولان في العناية بهذه الفاكهة الطيّبة، وهو بذلك يرسل رسالة إلى الصهاينة، أن ابن الجولان المتشبث بتراب أرضه الغالية لن يفرّط بهذه الأرض، لأنّ حبّها يخالط رفيف جفونه، وقد أصبح جزءاً لا يتجزأ من دورته الدموية، بل إنّ هذا الحبّ بات مكوّناً رئيسياً من مكوناته الوراثيّة ،ولا يهمّنا هل هم قادرون على قراءة ما بين سطور هذه الرسالة أم هم عاجزون عجزاً كلياً عن فهمها واستيعابها.
هذا الابن البار يعمل في أرضه، يكدح فيها ساعات الليل والنهار، و يعلم أنّ هذا الكدح مهمة وطنية عليه أداؤها بكلّ شفافية وإخلاص، وعرقه هو سمرة الأرض،ولكنّ المواطن العربيّ السوريّ يرى في هذا العرق قطرات من الفضة تسيل على جبهة هذا الفلاّح، الذي لقّن أبناءه التعلّق بالأرض الطيّبة الطاهرة، فحفظوا نشيد العودة أبجدية أولى ستلازمهم مدى الحياة، ولأنّ مواجهة العدوّ الغاصب تستدعي حشد الهمم والطاقات كلّها، فالمعركة معركة إصرار على مجيء الحقّ الذي لا يمكن أن يُهزم، وهذا الحقّ يقول وبلغات العالم كلّها إنّ أرض الجولان عربية سورية وستبقى رغم أنف هذا العدو.
انظر إلى هذه الأرض الطاهرة كم سال عليها من دم الشهداء الأبرار الذين نؤمن إيماناً لايخامره شكّ بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وفي شريط يربط بين الماضي التليد والحاضر المجيد، يمتدّ سندس النضال مضمّخاً بدم الشهادة، وكما كانت هناك انتصارات حرب تشرين التحريرية؛ كانت هناك امرأة جولانية بطلة اسمها غالية فرحات تسجّل اسمها وأسماء مثيلاتها من حرائر الجولان في سجلّ الخالدين.
المواطن العربيّ السوريّ يرى في وجنتي كلّ تفاحة جولانية عبيرَ شهيد أقسم صادقاً بأن يفتدي تراب الجولان الطاهر بدمه النديّ هكذا وعد وصدق وعده، يرى في هذه التفّاحة شفقاً يرسم البشرى لميلاد فجر الحرية، فجر عودة الجولان إلى سورية الأم، ونحن بانتظار شروق شمس هذا الفجر الذي لن يتأخر لأنه يعرف كم نحن مشتاقون إليه، و نقول إنّ الجولان عربيّ سوريّ رغم أنف الغاصب المحتل، وهو عائد إلينا ليلقانا بانتظاره على أجنحة الشوق واللهفة والحنين والحبّ الذي يدوم ويبقى .