ولد غارودي فى 17 تموز 1913 بمرسيليا جنوب فرنسا، وحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون عن النظرية المادية في المعرفة عام 1953، ثم الدكتوراه في الحرية من موسكو عام 1954. انضم إلى صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي، وفي عام 1937 عيّن أستاذاً للفلسفة في مدرسة الليسيه من ألبي، وخلال الحرب العالمية الثانية أُخذ كأسير حرب لفرنسا الفيشية في الجلفة بالجزائر بين 1940 و1942، وفي عام 1945 انتخب نائباً في البرلمان، وأصدر أول مؤلفاته عام 1946. طرد من الحزب الشيوعي الفرنسي عام1970 وذلك لانتقاداته المستمرة للاتحاد السوفيتي، وفي نفس العام أسس مركز الدراسات والبحوث الماركسية وبقي مديراً له لمدة عشر سنوات.
وبما أنه كان عضواً في الحوار المسيحي- الشيوعي في الستينيات، فقد وجد نفسه منجذباً للدين وحاول أن يجمع الكاثوليكية مع الشيوعية خلال عقد السبعينيات، وبدأ يميل ويقترب إلى الإسلام في هذه الفترة،
أشهر المفكر الفرنسي إسلامه فى 2 تموز عام 1982 بالمركز الإسلامي في جنيف، ليبدأ نضاله الفكري والسياسي ضد الحركة الصهيونية العالمية ودولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وكانت أول محطات التصادم بينه وبين الصهيونية بعد مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، حيث نشر مقالة في صحيفة «لوموند» الفرنسية تحت عنوان «معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان». وفي عام 1996، واصل غارودي نضاله الفكري ضد الاحتلال الصهيوني، بإصدار كتاب «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية»، الذي شكك خلاله في أسطورة «الهولوكوست»، مكذباً بالحجة والدليل المغالطات اليهودية حول عدد الضحايا اليهود في محرقة النازي، ليلاحقه الجانب الإسرائيلي قضائياً ويصدر ضده عام 1998 حكم بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ من إحدى المحاكم الفرنسية.
أثرى غارودي المكتبة العالمية والعربية والإسلامية بعشرات المؤلفات التي ترجمت للعديد من اللغات، ومن أشهر مؤلفاته بعد إسلامه «وعود الإسلام، المسجد مرآة الإسلام، الإسلام وأزمة الغرب، فلسطين مهد الرسالات، الولايات المتحدة طليعة التدهور، وعود الإسلام، الإسلام دين المستقبل، الإرهاب الغربي، جولتي وحيداً حول هذا القرن، حوار الحضارات، الإسلام وأزمة الغرب». عرف عن فكر «غارودي» أنه ظلّ ملتزماً بقيم العدالة الاجتماعية التي آمن بها في الحزب الشيوعي، ووجد أن الإسلام ينسجم مع ذلك ويطبقه، فظلّ على عدائه للإمبريالية والرأسمالية، وبالذات لأميركا.
ومن أطرف ما يذكره «غارودي» كيفية نجاته من الموت حين أسر من قِبل النازيين في الجزائر خلال الحرب العالمية الثانية في الفترة ما بين 1940- 1943، فقد قضت الأوامر بإطلاق النار عليه وهو في المعتقل غير أن الحراس الجزائريين رفضوا تنفيذ الأوامر وذلك لإيمانهم بأنه ليس من شرف المحارب أن يطلق الرجل المسلح النار على أعزل. وفي روايته «مَنْ أكون في اعتقادكم» يتحدث «غارودي» عن الجيل الضائع بعد الحرب فيقول: «إن بطلي الرئيسي ينتمي إلى جيل يبهرني.. الجيل الذى ولد منتصف القرن تماماً، وقد بلغ الثامنة عشرة عام 1968، وسيبلغ الخمسين سنة 2000، ولقد عرف المخدرات واشترك فى العصابات وسلك طريق ««كاتماندو» وعانى أحلام تشي غيفارا، وكذلك قلق العصر النووي».
نال جائزة الملك فيصل العالمية عام 1985 عن خدمة الإسلام وذلك عن كتابيه (ما يعد به الإسلام) و(الإسلام يسكن مستقبلنا)، وذلك لدفاعه عن القضية الفلسطينية، كما حصل أيضاً على الدكتوراه الفخرية من جامعة قونيا في تركيا عام 1995.
قال الكاتب السياسي والمؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين: «الفيلسوف الفرنسي «روجيه غارودي» حينما بدأ نضاله الفكري والسياسي ضد الحركة الصهيونية العالمية ودولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، تخلى الحكام العرب عنه، وكأنه لا يعنيهم على الإطلاق». ودعا عبد القادر ياسين، الجهات المعنية بالنشر إلى إعادة طبع أعمال «غارودي» ونشرها ليتعرف عليه شباب الثورة، مشيراً إلى أن كتابه «المعرفة في النظرية الماركسية» عُدَّ حجة في الفكر اليساري، وأنه بدأ يميل إلى إدخال تعديلات على الماركسية ودخل في خلاف مع قيادة حزبه، لافتاً إلى أنه في سبعينيات القرن الماضي، ألقى «غارودي» خطبته الشهيرة في مؤتمر الحزب الشيوعي الفرنسي، والتي بدأها بعبارته الأشهر: «لم يعد الصمت ممكناً»، موضحاً أنه في هذه الخطبة قدم «غارودي» وجهة نظره التي دخلت في تعارضات مع بعض النظرية الماركسية، ولذا فكان طبيعياً أن يغادر حزبه، ويبدأ في اتخاذ مواقف حاسمة في القضية الفلسطينية وضد الصهيونية وكيانها، وحين صدر قرار المحكمة الجائر بتغريمه تخلى عنه الجميع وأدار حكام العرب ظهورهم له، وكأن الأمر لا يعنيهم، مؤكدًا «وهو فعلاً لا يعنيهم».
إسلام «غارودي» أدان التأسلم السياسي
قال الدكتور علي مبروك، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة، إن الفيلسوف الفرنسي «روجيه غارودي» حينما أعلن إسلامه، تعامل البعض مع هذه القضية وكأنه مسلم أصولي، في حين أن حقيقة إسلامه تدين «التأسلم السياسي»، موضحاً أن إسلام «غارودي» لم يكن مختلفًا عما اتسمت به ماركسيته التي تميزت دائماً بالبحث عن الإنسان، وهو ما يساعدنا في تلخيص شخصية هذا المفكر الكبير في كلمة واحدة وهي أنه «فيسلوف الإنسان».