تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«روح الإرهاب» جرثوميـــة.. وتنتظـــــر موتهـــــا

ثقافة
الاحد 20-10-2019
هفاف ميهوب

هو مقالٌ، للكاتب وعالم الاجتماع الفرنسي «جان بودريار» الذي سارع وبعد أن رأى مقدار تأثير هذا المقال على الأوساط الثقافية والسياسية الفرنسية، لكتابة مقالٍ آخر تابع فيه ماكان قد تناوله في المقال الأول، وعن تأملاته في «السلطة الجهنمية» والأحداث التي وقعت مُذ انهيار برجي التجارة في الولايات المتحدة الأميركية. الأحداث التي اضطره ما تلاها من حروبٍ منها الحرب على العراق، للسعي إلى كشفِ «قناع الحرب» وتبرئة العرب مما وصمهم به الغرب المتوحش، وأيضاً عبر مقالٍ، بيّن فيه مزاعم أميركا الدعائية، والأسباب الحقيقية التي أضافها للمقالات التي نشرها في كتاب، قدَّم له وتحت عنوان «روح الإرهاب»:

‏‏

«كلّ الخطابات والتعليقات، تفضح زوالاً هائلاً أمام الحدث وما يمارس، أما الإدانة الأخلاقية للإرهاب، فهي على مستوى الابتهاج الخارق، أمام رؤية دمار هذه القوى العظمى، بل الأفضل من ذلك، رؤيتها وهي تدمّر نفسها بنفسها، وتنتحر على نحوٍ رائع، لأنها هي التي أوقدت بقوتها التي لا تطاق، كل هذا العنف المنتشر في العالم»..‏‏

لاشك أنه وبقوله هذا، يؤكد تجاوز أميركا لكلِّ ضميرٍ ووازعٍ أخلاقي وإنساني، وهو ماسببه حقدها وكراهيتها إلا لمصالحها التي صنَّعت لأجلها، مجموعات إرهابية تواطأت معها لتدمير ما كان أوله قوّتها التي تراها «إلهية وشرعية».‏‏

لكن، ما العمل عندما يكون الوضع محتكراً على هذا النحو من قبل قوة عالمية، وما الطريق المُتاح سوى التحويل الإرهابي للوضع؟..‏‏

إنه سؤاله الذي ما أطلقه إلا ليردّ الإرهاب على صنَّاعه وجوابه: «إن النظام الذي أوجد الشروط الموضوعية لهذا الإجراء المعاكس العنيف، قد وقع في مشكلة لا يمكن حلّها، فالإرهاب هو الفعل الذي يجعل كل الخصوصيات التي دفعت بموتها لإقامة نظام عالمي تديره قوة واحدة، ينتقم اليوم بهذا التحويل الإرهابي للوضع.. ذلك أن الإرهاب كالفيروس، في كلِّ مكان، وقد بات شكل الظلِّ الملازم لكلِّ نظام-هيمنة، مستعداً في كلّ مكان لأن يستيقظ كعميل مزدوج، ولايمكن لحدود فاصلة أن تسمح بمحاصرته».‏‏

حتماً هي خصومة وإن أشارت، فإلى أن العولمة التي انتصرت تعيش في حالة صراع مع ذاتها. مع الإرهاب الذي يتمرّد عليها عبر مسرحيات ومواجهات صارخة وضدية. مواجهات تجعل القوة العالمية مجرّدة كلِّياً من السلاح، وغارقة في منطقها الخاص، في الوقت الذي توقف فيه الانتحاريون:‏‏

«قد كفوا عن الانتحار الذي يتجلى محض خسارة. ذلك أنهم يضعون موتهم في الرهان، بطريقة هجومية وفعالة، وبحدسٍ يستشعر هشاشة الخصم الهائلة. هشاشة نظام وصل إلى شبه الكمال، ثمَّ صار لا يستطيع شيئاً أمام عدوٍّ جعل من موته سلاح هجومٍ مضاد».‏‏

هي ذي «روح الإرهاب».. الروح الوبائية التي تنتظر دوماً الموت الزهيد، وبطريقة رخيصة ولاأخلاقية. لكن، الإرهابيون لا يعلمون بأنهم بالنسبة للأميركيين، ليسوا إلا هدفاً لتصفياتٍ عملياتية.‏‏

نعم هو كذلك بالنسبة «للسلطة الجهنمية». أميركا صاحبة التصورات الدرامية التي هي من «تصميمها المعلوماتي والمالي والحسابي والرقمي».. التصورات التي تمكنت من تقديم «فرضيات حول الإرهاب» الذي لم يكن من أنتجه، سوى «العنف العالمي» الذي رأى الكاتب بأنه: «عنف جرثومي يعمل بالعدوى، بردِّ فعلٍ متسلسل، ويتخذ مظاهر مزاجية وعصابية ولا عقلانية...»..‏‏

كلَّ هذا، كان سبباً في جعل هذا النظام يضيِّع قيم ثقافته، وبالتالي دفعها للانتقام من قيم الثقافات الأخرى، وهو ما أعاد «بودريار» سببه إلى غيرة هذا النظام التي اعتبرها:‏‏

«غيرة ثقافة لامبالية وذات مستوى وضيع، إزاء الثقافات ذات المستوى الرفيع. ثقافة النُظم الخائبة، والمفرغة من حدتها، إزاء الثقافات العليا.. ثقافة المجتمعات الخالية من القدسية، إزاء الثقافات أو الصور القربانية»..‏‏

باختصار.. الكتاب، هو تعرية للوجه الأميركي الذي احترق بعد أحداث 11 سبتمبر، وتشوَّه أثناء الحرب على العراق.. الحرب التي أسقطت أخلاق الديمقراطية الأميركية، والتي ختم «بودريار» بالقول عن صورها الـ»بورنوجرافية»:‏‏

«هذه الصور قاتلة بالنسبة لأميركا، بقدر ماهي كذلك، صور مركز التجارة العالمي وهو يحترق.. جميعنا مسؤولون.. الغرب الذي يتبلّد ضميره أمام هذه الصور، والذي هو وراء بناء الجدار الإسرائيلي.. لقد عاش الأميركيون وسيعيشون مرارة التجربة، رغم كلّ الأعذار الديمقراطية اليائسة. الديمقراطية التي وجدت نفسها تستعيد فضيلتها، من خلال الكشف عن عيوبها».‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية