تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شبه جملة

ملحق ثقافي
2012/2/21
مانيا سويد

مازلت باحثة، ولن أمل من البحث، عن سر شغف العرب لجني الثمار قبل نضجها.

نبدأ خطواتنا نحو الهدف لكننا دائماً أبداً لا نكمل المشوار، مشروعاتنا دائماً مبتورة، نبدأ بحماس ثم يداهمنا الفتور شيئاً فشيئاً إلى أن نتوقف قبل النهاية، دائماً قبل‏‏‏‏‏

الاكتمال. تحالفنا مع ظرفي الزمان والمكان ومع الجار والمجرور فصارت حياتنا شبه جملة وباتت ألسنتنا تجافي الجملة المفيدة وترفض آذاننا الصبر عليها. لم يعد عيباً أن يقاطع بعضنا أحاديث البعض.‏‏‏‏‏

صرنا نطلب ثم نحاسب قبل أن يأخذ المطلوب وقته، نتعجل فنربك الطهاة فيأتينا الطعام نصف مطبوخ، نأكله هكذا ولا ننتظر أن يأتينا مُطَبَخاً. أصبحنا نعشق النزول من القطار قبل أن يتوقف في محطته غير مبالين بما ينتج عن ذلك من فوضى وإصابات. تداهمنا المقاطعة حتى في أحلامنا، نستيقظ في منتصف الحلم، وإذا أكملناه تتعمد ذاكرتنا أن تجتزئه. يسيطر علينا شبح الخوف من آخر الدرب، نجلس لنستريح في منتصف الطريق فتسترخي أجسادنا قانعة بما قطعت. نكتفي بالخطوة الأولى على طريق الألف ميل. إذا أخذنا وعداً من أحدهم قبل الشهيق طالبناه بالوفاء بوعده قبل الزفير، لا نصبر على أنفسنا ولا نصبر على غيرنا.‏‏‏‏‏

طالت العدوى كل الشرائح في المجتمع، حتى الأدباء، لا تجد لهم قصة أو رواية إلا وتشعر أن كاتبها أصابته الحيرة كيف ينهيها، وفي الغالب، لأنه مضطر لأن يضع لها نهاية، ينهيها نهاية إما ساذجة وإما غير مقنعة..‏‏‏‏‏

من أين جاءنا هذا النمط السلوكي المحبط؟ ما سببه؟ أزعم أنني من بعد البحث والتفكير وجدت جواباً مقبولاً على الأقل من الناحية النظرية، إنها أزمة الثقة، لم نعد نثق في الآخر ولم نعد نثق في أنفسنا ولم نعد نتفاءل بما ستأتي به الأيام، لكن السؤال يظل قائماً: من أين داهمنا انعدام الثقة؟ أمن آباء وعدونا في طفولتنا ثم أخلفوا وعودهم فنُشِّئنا غير واثقين فيما نتلقى من وعود ولا نرى غضاضة في أن نمارس الدور نفسه فنعد ولا نفي وهكذا تستشري فينا آفة انعدام الثقة؟ أم من مناهج دراسية تصور حياتنا أمجاداً وبطولات وقدراتنا خوارق ومعجزات وتظهرنا دائماً على أننا خير من يدب على الأرض ثم يصدمنا الواقع حين نكتشف أننا في مؤخرة الصفوف وأن العالم من حولنا تجاوزنا بأشواط؟ أم من دول تفتحت عيوننا على علاقات حميمة تربطنا بها وشعارات رنانة تتردد على مسامعنا ليل نهار حتى بات محفوراً في عقولنا أن لا فوارق تفصلنا عنها، ثم مع كبوتنا الأولى نرى في تلك الدول وجوها أخرى قبيحة تشمئز منها النفوس وتفوح منها رائحة الغدر؟‏‏‏‏‏

أيا كان الجواب لن يستطيع كائن من كان أن يجعل كل الآباء يفون بوعودهم، مثلما لا يستطيع أي مصلح أن يغير مناهجنا لتصارحنا بحقيقة منزلتنا بين سكان الأرض، وأيضاً مثلما لا يستطيع أي بطل أن يجبر الدول الخبيثة أن تعلن عن حقيقتها.. إذن لا أمل لنا إلا في التقادم ومرور الزمن، تلك شهادة التاريخ مذ خلق الله الأرض وما عليها، أن تكبر الأشياء وتتعاظم إلى أن تصل ذروتها ثم تنهار لتعود إلى نقطة الصفر. ما علينا سوى أن نصبر على انعدام الثقة وثقافة الابتسار حتى يصلا ذروتهما، ويبدو أن هذا هو الأمر الوحيد الذي لا نملك بتره ولا نملك إلا أن نصبر عليه، ثم نحصد، أو تحصد الأجيال المقبلة، الثمار.‏‏‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية