وأجلها شأنا واعلاها مكانة في سجل الخلود، وما تمر به سورية الأن ليس عاديا، ولم يكتب بحبر عادي، كتبه المعتدون بحبر الخيانة والموت والغدر والعمل على سفك الدم وتهديم الحضارات، وبالدم الطهر الحلق ونسغ الحياة قاومه السوريون الحقيقيون، السوريون من ابناء الارض والحياة والفعل، حبر هو الفداء ليس للكلمة التي كانت بدء الفعل، انما لكل ما كان وسيكون، ولا نظن ان كتابا على وجه الارض خطه انسان ما سيكون بنبل وبلاغة الكتاب السوري هذا.
واليوم اذ تتكامل صفحات هذا السفر من الإبداع حبرا وورقا وقراءة وكتابا بحجم الفداء من حقنا كسوريين ان نشعل الشموع ونعلن اننا ابناء القراءة والفعل لانعرف لليأس معنى، خمس سنوات ونيف والموت يحاصرنا من كل حدب وصوب، لكننا الباقون الواهبون الحياة كل اسرارها وعبقها ومعناها، لا ننكسر، ولاننحني إلا لارواح قديسين هم الفداء وحبر اليوم الذي يكتب صفحات الغد.
يعود معرض مكتبة الاسد في دورته الثامنة والعشرين، وفي النفس آلام وكثير مما يقال ويجب ان يقال، لم يعد للصمت معنى بل انه فعل خيانة للناس للحياة للدماء حين نمالئ تحت حجة من الحجج، ومن حق من قضى نحبه شهيدا أن نعلن باسم دمه ووقع اقدامه ان حبر الكثيرين من كتابنا ( ان كانوا حقا كتابا ) حبر دنس عاق كافر بالوطن وقيمه، من غادر منهم تاركا الوطن في نزيفه بعد ان كان بستانا له، وحين حل عليه شيء من قحط او من شغب كان الفرار والمتاجرة عنوانه، ومن بقي صامتا مترقبا ما سيحدث، وكأن في وقائع الوطن حيادا علينا ان ننتظر الى الكفة تميل الامور، عرت هذه الحرب المجنونة كل شيء، واول العراة من كانوا يسترون عريهم بالحرف وبالكلمة، وإذا به كله هراء لا معنى له لأنه خارج من اتون احقاد تفجرت دفعة واحدة.
اليوم معرض مكتبة الاسد في دورته هذه ليس فعلا عاديا، ولا ما يعرض فيه حتى ولو كان مجرد ركام من ورق عاديا، بل انها رسالة الثقافة والادب، الكثير الكثير مما يقال اليوم أو غدا ربما علينا ان نطلقه دفعة واحدة، وبالمناسبة ثمة امر جلل يجب على مؤسساتنا الثقافية والفكرية ان تتنبه اليه ألا وهو ان التوثيق الآن غاية في الضرورة والاهمية، فما حرف أو كلمة إلا ويجب ان يوثق ويطبع ويحفظ، فمن المعروف أن العدو يوثق وجهة نظره ويقدم للاجيال رواية مغالطة ومن جانب واحد ستكون المرجع لمن سياتي يوما ما ويبحث فيما جرى اذا ما اغفلنا التوثيق، ولسوف يحقق التضليل الاعلامي غاياته في اغتيال التاريخ حينئذ.
من هنا, علينا ان نسجل وندون ونعلن لومنا وعتبنا، وسمّه ما شئت على دور النشر الخاصة التي ظلت محايدة وكأنها رسالتها التجارة فقط، لم تغادر عقلية بائع الخضار، الربح والربح ولايمهمها شيء آخر، ولابد من التنويه الى أن ثمة امتعاضا ساد بين بعض المتابعين حين صدرت كتب توثيقية عن وقائع العدوان على سورية، وبغض النظر الان عما فيها من تحليل، فمن الخطأ ان يحدث هذا الامتعاض لأننا اليوم بحاجة كل حرف وكل كلمة قيلت وكتبت ووثقت وأرخت، بغض النظر عن قلة العناوين التي صدرت فإن من الواجب توجيه الشكر الى الهيئةالعامة للكتاب والى اتحاد الكتاب العرب في سورية على اصدار بعض العناوين في هذا الاتجاه، بعضها مترجم، وآخر مؤلف، وبعضها توثيقي، وقد شكلت هذه الإصدارات رافدا من روافد التوثيق والفعل المقاوم، ولا نشك ان في الجعبة الكثير مما سينشر ويقال،أما الكتاب والادباء ومن يسمون (مثقفون) ادعاء وليس فعلا، فهذا شأن آخر، ومن لم يكتب بحبر الوطن فلن يكتب ابدا، وشتان ما بين بلاغة جندي يعلن على الملأ: اننا حاضرون عند كل موت، وكل دروب الفداء، وبلاغة صماء باردة من تحت مكيفات الهواء وكؤوس العصير، وبلاغة التضليل، في كل كتاب وكل حرف هنا في هذا المعرض ارى صورة الاطفال والشهداء والقديسين وأرى رايات النصر، أرى شموخ سيف الدولة الحمداني والمتنبي وابي فراس ونزار قباني والبدوي ومحمود درويش، وارى على قارعة الرصيف وتحت قارعته صغارا صغارا ينظرون الى وقع اقدام ابطال يصنعون الحياة واردد مع من قال: وقل هي الشام لاخمر ولاجسد، حتى ولا الزينتان المال والولد.
d.hasan09@gmail.com